ثقافة في حقوق الإنسان

انتهينا في المقالة السابقة من تحليل بعض ما ورد في مواد نظام الحكم الأساسي فيما يتعلق بحقوق الإنسان وشرحنا ما ورد في (التكافل الاجتماعي) في المجتمع السعودي، و(الوحدة الوطنية) وأهمية تعزيزها في الوطن، وأهمية (حق التملك) وضرورة حمايته، وأخيراً حللنا (حق التنمية الشاملة) الذي تعرض له ذلك النظام فيما ورد عن التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مجتمع المملكة، وأشرنا إلى أن التنمية هي من الأمور التي تسير في ركاب التقدم والحضارة ومحاربة التخلف، والآن مع تحليلات جديدة لبعض مواد ذلك النظام.

الإعمار واحترام الحجاج

ورد في المادة (24) من النظام المذكور أن الدولة تقوم بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهم وتوفير الأمن والحماية لقاصديهما بما يمكّن المسلم من أداء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة، ومن حسن الطالع أننا نتحدث عن الحرمين وقد بدأ موسم الحج هذا العام، وأشرقت أنوار العشرة الأولى من شهر ذي الحجة، هذه الأيام التي هي أعظم أيام السنة ويتلألأ في عقدها العظيم أكبرها وهو يوم عرفة ثم بعد ذلك يوم النحر (عيد الأضحى المبارك). وما هو جدير بالفخر والذكر تزايد اهتمام الدولة بإصلاح وإعمار مشاعر الحج، كما حصل في حل مشكلة الزحام في الجمرات وتوسعة المسعى وتنظيم أعداد الحجاج وخدماتهم وأمنهم وإلزام الحجاج بتصريح حتى تعطى الأولوية لمن لم يحج إلى غير ذلك من تنظيمات وإصلاحات متعددة، ويمتد الإصلاح والتنظيم إلى زوار الحرم النبوي وضبط أعداد الزائرين والتأكد من توافر السكن لهم محاربة للافتراش ورفعاً لمستوى الأمن والسلامة والنظافة في المدينة المنورة، كل ذلك وغيره يدل على اهتمام الدولة القديم بالحج والعمرة والزيارة ويكفي أن نشير إلى أن الملك - حفظه الله - اختار لنفسه لقب (خادم الحرمين الشريفين) ليؤكد للأمة اعتزازه بالشرف التليد والأمانة الكبيرة التي تقلدها امتداداً لقادة وحكام المسلمين من قديم الزمان مروراً بصدر الإسلام ثم العصور التي تلت حتى عصرنا الحالي، فالسقاية والسدانة وكسوة الكعبة وتطييبها وإطعام الحجاج وإيواؤهم والعناية بأمنهم وتسهيل أمورهم واحترامهم وإنشاء المؤسسات الاحترافية للعمل في البحوث والدراسات المؤدية إلى استمرارية الإعمار، والإصلاح والتطوير لكل ما يؤدي إلى رفع مستوى التنظيم والأمن والسلامة وخاصة مع إطراد زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار سنة بعد أخرى – كل تلك الأعمال الجليلة هي من أشرف وأنبل الأعمال التي يتنافس ويتزاحم القادة والحكام لنيلها منذ عهد إبراهيم عليه السلام حتى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضي الله عنهم- وآل البيت ومن تبعهم إلى يوم القيامة، كل ذلك تلبية لأمر الله تعالى بتطهير بيته وخدمته وقبل ذلك أمر الله خليله بأن يؤذن في الناس بالحج فلبوا طائعين وتسابقوا لحج البيت من كل فج عميق، وستستمر تلك المسيرة العظيمة إلى يوم الدين، وإذا كان الإسلام يدعونا لإكرام ضيوفنا فنفتح لهم قلوبنا وبيوتنا ونكرمهم فما بالك بضيوف الرحمن! الذين هم الأجدر بالإكرام والعناية الفائقة وتسهيل أمورهم وإرشادهم لحسن تأدية هذا الركن العظيم حتى يكون حجاً مبروراً ويعودوا لبلادهم كأنما ولدتهم أمهاتهم ويظلوا يتذكرون حسن المعاملة لسنين طويلة وينشروا هذا الشعور في بلادهم، وطوبى لمن يخدم هؤلاء الضيوف بإخلاص ونية صادقة، وحسرة ووبالاً على من فرط في الخدمة واستغل ضيوف الرحمن وابتزهم وسخر منهم ولم يحسن إليهم وترك عندهم انطباعا سلبياً! مما يُعرض المخطأ لعقاب الله تعالى ويشوه سمعته وقد تتأثر سمعة المملكة إذا كثرت تلك الأخطاء ومما هو جدير بالذكر أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بدأت في وضع الخطوط الأولى لدراسة وضع قائمة بحقوق الحاج والمعتمر والزائر، وواجباته، وسيتم تصديقها من جهة الاختصاص ودراستها حتى يتم اعتمادها، وتعتبر تلك الحقوق من أهم حقوق الإنسان المسلم الحديثة التي تستحق الالتزام بها بجانب الواجبات التي يجب أن يُلزم بها الحاج والمعتمر والزائر وكل الجهود التي تقوم بها الدولة مع الاهتمام بتلك الحقوق والواجبات ومراقبة تنفيذها، سيؤدي كل ذلك إلى محاربة الفوضى والعشوائية والاختناقات واندلاع النيران والدهس والمظاهرات والرفث والفسوق وكل ما يعكر صفاء تلك العبادات، وإذا ما تم ذلك فسيكون الحج وما يتبعه – كما أراد الله تعالى له- (دورة في الصبر والتوحيد والإخلاص والتقوى وطاعة الله، والتعارف وتوحيد كلمة المسلمين والتنسيق بينهم والتمسك بمكارم الأخلاق، والحصول على المنافع في الدنيا والآخرة، والاحتكاك والتعامل مع مختلف الثقافات، واحترام التعليمات والحرص على الأمن والسلامة) وما ذلك على الله بعزيز.

الميثاق العالمي لحقوق الإنسان

سبق أن أشرت في الحلقة الأولى من سلسلة هذه الحلقات التي تبحث في مجال الثقافة في حقوق الإنسان وقد نُشرت تلك الحلقة في "الاقتصادية" يوم الأربعاء 8/1/1429هـ منادياً أن يكون يوم عرفه يوماً يُذكرنا بحقوق الإنسان وواجباته وأن يكون مسجد نمرة – وهو مكان وقوف النبي صلى الله عليه وسلم عندما خطب في الناس (خطبة الوداع) – شعاراً ورمزاً لذلك اليوم، واليوم أطور ذلك الاقتراح لتكون العشرة الأولى من شهر الحج فرصة ليتذكر المسلمون كل ما قاله القائد والمعلم الأول -عليه السلام- في خطبته الأولى والثانية في يوم النحر وكل ما قاله في ذلك الحج وكل تصرفاته أثناء تأدية المناسك فما أعظم ما قاله وما أنبل تصرفاته عليه السلام في ذلك الموسم التدريبي العملي للمسلمين ويكفي أن نتذكر أول نصائحه عليه السلام (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا .....)، وآمل أن يقوم المختصون من العلماء والفقهاء والأئمة والدعاة ومن يهمهم الأمر بتوضيح وشرح وتحليل ما ذكرته فيما أمكن من تلك الأيام العشرة باللغات الحية، بجانب ما لدى أولئك المختصين من إرشادات عن مناسك الحج، وفي الحلقة القادمة (46) نستعرض مجموعة أخرى من مواد ذلك النظام المذكور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي