Author

"هيومن رايتس ووتش".. وسياسة التسلق على الأكتاف

|
طالعتنا بعض المواقع الإلكترونية خلال الأيام القلائل الماضية بما يفيد أن منظمة هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch التي كانت تتابع من كثب ما يدور في أروقة مؤتمر الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة تحت مظلة الأمم المتحدة في نيويورك. والذي أجلى بعض الحقائق التي غابت عن البشرية كثيراً، وكان من أهمها ما أبدعه والدُنا خادم الحرمين الشريفين عندما قال ـ حفظه الله ـ "إن التركيز عبر التاريخ على نقاط الخلاف بين اتباع الأديان والثقافات قاد إلى التعصب وبسبب ذلك قامت حروب مدمرة سالت فيها دماء كثيرة لم يكن لها مبرر من منطق أو فكر سليم، وقد آن الأوان أن نتعلم من دروس الماضي القاسية، وأن نجتمع على الأخلاق والمثل العليا التي نؤمن بها جميعاً، نعم إنها الحقيقة الغائبة عن الجميع فعندما تُستثار نقاط الخلاف بين البشر وتكون مرتكزاً للنقاش مما يقود إلى توسيع دائرة الخلاف والاختلاف ويبني الحواجز الشاهقة بين الثقافات والشعوب وهي نوعا من فظاظة القلب التي نهى الله ـ سبحانه وتعالى ـ رسوله الكريم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (آل عمران 159). لقد كانت هذه الصفة هي الداعم الرئيس لإذكاء الخلاف وإيجاد الجماعات المختلفة التي تغذت ونمت على فكر وممارسات أوجدت ما عُرف بالإرهاب بكل أشكاله، مدعما باختلال العدالة من بعض الحكومات والمنظمات ذات الفكر الاستعماري. والآن ولأن هذه المنظمة لم تقم في نظري أساسا على مبدأ السماحة والتعايش، وإن ارتكزت على فكرها الخاص الذي تسعى من خلاله للضغط على دول العالم إعلاميا وسياسيا لتحقيق أهداف ومآرب غير موضوعية مما سيفقدها المصداقية قريبا. لهذا جاء هذا المقال محاولة للتركيز على هذه المنظمة وأعمالها إجمالا، لعلنا نصل إلى ما يكشف بعضا من خباياها. منظمة مراقبة حقوق الإنسان أو ما يعرف بـ "هيومن رايتس ووتش"، منظمة غير حكومية ولا تهدف إلى الربح، تضم في هيكلها ما يقارب 300 شخص من المهتمين بموضوع حقوق الإنسان. نشأت هذه المنظمة عام 1978 وكانت تعرف آنذاك بهلسينكي ووتش Helsinki Watch والتي هدفت للرقابة على مدى التزام الاتحاد السوفياتي باتفاقية هلسنكي Helsinki Accords الموقعة في عام 1975 بين حكومات 35 دولة من أوروبا الشرقية والغربية وأمريكا الشمالية. وفي سنوات تالية تم إضافة بعض الأقسام والمهام للرقابة على حقوق الإنسان والإفصاح عنها في مناطق أخرى من العالم وهو ما أدى بها إلى ما تعرف به الآن من اسم. تدعي هذه المنظمة أنها تراعي وتراقب حقوق الإنسان في كل الأرجاء، والصحيح أن هذه المؤسسة تراقب الوضع في بعض بلدان العالم وتركز على بعض وتتجاهل وتغض الطرف عن البعض الآخر. وهذا الحال أستطيع وصفه بسياسة التسلق على الأكتاف، حيث يتم التركيز والضغط الإعلامي على البلاد والحكومات التي تعود عليهم بعائد إعلامي فيحققون أهدافهم الصورية أمام المتحمسين لهم ويحققون أهادفا أخرى خفية لا يعلمها كثير من بني البشر. الواضح لي أن هذه المنظمة لا تعتمد في كثر من تقاريرها على خلفيات دينية أو إقليمية، وعادة ما تستند في تقاريرها إلى أخبار وتقارير سرية مجهولة المصدر ولا يعرف من هم القائمون عليها ولا خلفياتهم مما يُفقد هذه التقارير الموضوعية في الطرح والمصداقية في النقل. ومع هذا فمن الواضح أن هذه المنظمة لا تؤمن بوجود الأديان واختلافها وإنما يسعون لتحقيق العدالة الإنسانية من وجهة نظرهم فقط دون الرجوع إلى أسس دينية أو ثقافية أو زمنية. الغالب على هذه المنظمة أنها عادة ما تنتقد الأوضاع الإنسانية في الشرق الأوسط، وتقاريرهم بشكل مستمر تجد الأذن الصاغية من الإعلام الغربي أو حتى من بعض الحكومات الغربية لخلق قوى للضغط على العالم العربي والإسلامي، ومع أن هذه المنظمة تنتقد الوضع في فلسطين والوضع في العراق وأفغانستان وتقاريرهم في هذا الشأن كسراب يحسبه الظمآن ماء، ولا تجد لها الأذن الواعية من الإعلام الغربي ولم أسمع يوما أن تقاريرهم استُخدمت للضغط على إسرائيل أو على أمريكا أو أي من الدول الغربية الأخرى. وهذا يولد استفسارا كبيرا عن مدى مصداقية هذه المنظمة ودرجة تأثير تقاريرها في العالمين المتقدم والنامي في الوقت نفسه. هذه المنظمة يعيبها من وجهة نظري عدم اعتمادها الأديان السماوية أو الثقافات المختلفة كأساس تبني عليه عملها وما تنتجه من تقارير ودراسات، ولهذا فهي غير مقبولة من بعض أتباع الديانات ومن بعض المثقفين، إنما القيمة الإعلامية لهذه المنظمة أنها تحاول إظهار بعض الأمور الخفية كالتقارير المخابراتية عن العالم وإبرازها وتصويرها في شكل قضايا الرأي العام. في هذا الصدد أعتقد أن على هيئة الأمم المتحدة دورا رئيسا في تطويع عمل مثل هذه المنظمات حتى تحوز على القبول العام، وألا يترك الحبل على الغارب لكل من أراد أن يُنشئ هيئة أو منظمة أهلية للقيام بأدوار خفية تحت مظلة العدالة وكرامة الإنسان. أما كمسلمين فعلينا يقع دور كبير في إجلاء صورة الدين الإسلامي السمحة لغير المسلمين، والمأمول من علماء ومثقفي الأمة أن يكونوا أكثر انفتاحا على مثل هذه الجهات الغربية في هذا الوقت بالذات لمناقشتهم ومحاورتهم بما يخفف من قوة الضغط السلبية التي يستخدمونها بلا مبرر لتشويه صورة الإسلام، وبما يوضح للعالم أجمع أوجه العدالة والسماحة التي تمتاز بها شريعة الإسلام. فالإسلام ليس في حاجة إلى إيجاد منظمات حقوقية لحماية مستحقات الجنس البشري، فالقرآن الكريم والسنة المطهرة جاءتا بما يكفل حقوق الإنسان قبل ولادته وأثناء حياته وحتى بعد موته، وهو ما عجزت كل القوانين الوضعية عن مجاراته والإتيان بمثله. والمطلوب من منظمة مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch وغيرها من المنظمات أن تفتح لها قنوات للاتصال والنقاش مع أهل العلم أولاً، ومع من يمثلون ويحملون هم تمثيل هذه الأمة الإسلامية حتى يفهموا ويوصلوا للعالم النظرة الحقيقية عن الإسلام وممارساته، وحتى يتم احترام الديانات السماوية عامة والإسلام خاصة وأن لهذه الديانات بعض التطبيقات والممارسات التي قد تخفى عليهم إما بسبب جهل أو بسبب حقد وكره غير مبررين. إن التوجه الكريم الذي نشأ برعاية خادم الحرمين الشريفين لتبني حوارات الأديان والثقافات المختلفة إنما هو استمرار لتعاليم وسياسات إسلامية خالصة، وجدت من يؤمن بها ويرعاها ويعرضها في مختلف المحافل، وهو ما نحتاج إليه ليتم احترام حقوق أصحاب الأديان المختلفة، وليتم فتح قنوات للحوار بينهم لما قد يوصل إلى إرساء مفاهيم الأخوة والتكامل المطلوب في هذا الزمن. ومن هذه الزاوية أتمنى أن تتاح للمملكة فرصة إقامة حوار شامل مع مثل هذه المنظمات حتى يتم التعريف بالإسلام وقوانين الحكم فيه وحتى لا يعطى الغير فرصة لتشويه وتشتيت المكاسب الإسلامية والمفاهيم السمحة لهذا الدين. ختاما، هل تعي Human Rights Watch هذه الحقيقة وتبدأ في تطبيقات عملية للتعاون والاتصال، أم أنها ستواجه بتهميش وعزلة عالمية، خصوصا مع الاتجاه السائد لحوار الأديان والثقافات المختلفة برعاية إسلامية من بلاد الإسلام وبتأييد من هيئة الأمم المتحدة وإجماع دولي عام يؤكد أهمية التحاور وإبراز النقاط المشتركة بين بني البشر.
إنشرها