Author

حقائقٌ وأمثال من وقائع أسواق المال

|
.. أولُ هذه الحقائقُ من واقعِنا المحسوس في أزمة المال العالمية هو تعريف واقعي مشهود لمعنى التمويل: "التمويلُ فنٌ تـُمرَّرُ به الأموالُ من يدٍ إلى يدٍ.. إلى يدٍ.. حتى تختفي.. ثم لا يعلم أحدٌ بالضبط أين اختفت!" العالمُ التجاري الاقتصادي برمّتِهِ لعبةٌ كبرى، ولقد عرفنا الآن ذلك بأم أعيننا، وتسجيل أهداف هذه اللعبةِ يُقاس بالمال.. هذه حقيقة. ولكن، كل ما نراه الآن هو مجموعة من الخاسرين المهزومين في اللعبة.. فمن إذن سجّل الأهداف؟ ليست هناك لعبة منذ اختُرعت الألعابُ ليس بها فائز، منطقٌ لا يجوزُ ولا يستقيم. ربما حتى يحلُّ العالمَ هذه الأزمة، على العالم أن يبحث عن أهم مفاتيحها، وهو: من الذي فاز؟ ولقد سمعنا كثيرا عن المثل الإنجليزي، الذي يقول أن المالَ يتكلم Money talks، لم يسمع العالمُ الواسعُ، وقطاعاتُ الناس على كلِّ الأرض المالَ يتكلم، إلا عندما قال لهم كلمة: "وداعاً!". نعم المالُ يتكلم وهو يغادر الجيوب. ولكنا العرب رغم استخدام هذه الكلمة نقلا عن الأجانب، فإن صلبَ ثقافتنا المالية تقول إن المالَ يحكم.. والحقيقة لا يغادر حاكمٌ رعيتـَه، بل أن المالَ محكومٌ يَحْكـُم.. هناك أيادٍ وعقولٌ تحكم المالَ ثم تجعل المالَ يحكُمنا. وهذا درسٌ كبير يفصح لنا أن أسواقَ المال لعبة كبرى، يتفوق فيها من يعلم قوانينها، ولكن يحكمها من يصنع تلك القوانين. على العالم أن يجد المفتاحَ الثاني لحلّ الأزمةِ الخانقةِ، وهو: من يصنع قوانينَ أسواق المال؟ وسيقف تدهورُ سوق المال، ومن قبل دهاقنتِهِ وصنـّاعِه الكبار- إن كان هناك سندٌ لما ندعيه بأن هناك صانعين كبارا للسوق- عندما تتحقق هذه النظرية الفيزيائية: "من يلتصقُ بالأرض.. لا يستطيع الوقوع." أي أن هؤلاء الكبار لن يوقفوا تدهور سوق المال، حتى يلتصق الناسُ بالأرض، ولم يعد لديهم ما يخسروه أكثر، أي لم يعد يستطيع الناسُ أن يقعوا أكثر.. بعدها سيبدا الارتفاع. النصيحة: أجيدوا تمثيل أن تلتصقوا بالأرض.. إن لم تكونوا حتى الآن التصقتم. وفي المستقبل علينا إما أن نكون من صانعي القوانين، وقد يتعذّر هذا، على حسب ما يمكن أن تكون به قوتنا التجارية والتقنية والعسكرية ( نعم، المال لا يعتمد على نظرياتٍ مثاليةٍ فراغيةٍ مثل "يد آدم سميث الخفية".. ولكن على حقائق منها القوة والسيطرة والقدرة على إعطاء الأوامر).. ولكن يمكننا على الأقل، وهو المتاح، أولا أن نعرف جيدا قوانين اللعبة.. ثم ثانياً، أن ننزل إلى ملاعب المال ونحاول أن نلعب بجدٍّ حتى نتفوق على بقية اللاعبين، أو نجاريهم. بيوتٌ من الخبرة والرصد والترقب يجب أن تـُبنى الآن قبل الغد لمصلحة الأمة اقتصاديا لقادم من الأيام.. إن لم تكن أوجدت بعد الأزمةِ فعلا. وعلى كل حال هي دورةٌ تاريخيةٌ، وربما هي المتحكِّم الأكبر، فقد ثبت في سوق المال، أن الأسواقَ تزدهر، ثم تنحدر، ثم تسوء، ثم تسوء أكثر.. ثم تتأهب للإنطلاق للإزدهار مرة أخرى، دوراتٌ عاشتها أجيالُ القرن الـ 20 ثلاث مراتٍ على الأقل.. ثم لا تنسى أنه بعد الالتصاق بالأرض لابد أن ندُبَّ على الأرض من جديد. وللمتعاملين بالسوق: هذه لعبة في الحقيقة فيها كثير من المقامرة- أنا شخصيا لم ألعبها ولم تـُغرني يوما- وبتفسيري أن المتعاملَ يسير في طريق ضبابي ولا يعرف كل معالمه، وهذا ضربٌ من المقامرة، ومقامرة فيها الخطر نسبته أعلى.. ولكن لم يستطع زمنٌ مهما صفا ونقي من القضاء على المقامرة، وحبّ الكسبِ السريع، هذه حقيقة. وأهم ما عرفناه اليوم، لنتعلمه في ما بعد اليوم، هو أن السوقَ لعبة، كما رأينا، وغالبا ما يصل اللاعبون لهذه الحالةِ العبثية: لا يستطيعون الفوز، لا يستطيعون التعادل، ثم لا يستطيعون الانسحاب.. أليس كذلك؟ النصيحة: يجب وجوبا ألا تصل إلى تلك الحالة! ولهم أيضا: عندما تشتري، أو تبيع، استخدم عقلك.. لا تستخدم أذنيك. ولا أجد في نهاية المقال إلا الكلمة التي سمع العالمُ أخيرا المالَ ينطق بها: "الوداع!"
إنشرها