شهد الذهب منذ مطلع العام قفزة تاريخية تجاوزت 60%، في أكبر زيادة سنوية يشهدها خلال 46 عامًا، ليعزز مكانته كأحد أكثر الأصول جذبًا في أوقات الاضطراب العالمي. ومع هذا الصعود المذهل، تضاعف سعر المعدن الأصفر أكثر من 200 مرة خلال المائة عام الماضية، ما أعاد تسليط الضوء على الذهب كملاذ آمن في مواجهة التقلبات الاقتصادية والسياسية.
السر وراء هذه الارتفاعات غير المسبوقة يمكن تلخيصه باسم واحد: دونالد ترمب. فالرئيس الأمريكي لعب دورًا محوريًا في إشعال موجة من عدم اليقين الاقتصادي عبر سياستين أثرتا بشكل مباشر على حركة الأسواق العالمية. الأولى: تمثلت في الحرب التجارية التي خاضها مع الصين، أكبر اقتصادين في العالم، والتي أدت إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع المخاوف بشأن تباطؤ النمو العالمي.
أما الثانية: فكانت تدخله المستمر في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومطالباته العلنية بخفض أسعار الفائدة، ما أضعف ثقة المستثمرين في السياسة النقدية وأحدث ارتباكًا واسعًا في الأسواق.
هاتان السياستان أدتا إلى تراجع الدولار الأمريكي وانسحاب السيولة من السندات الأمريكية، لتتجه نحو الذهب بوصفه أكثر الأصول أمانًا في ظل تلك الظروف، خصوصًا مع تصاعد التوقعات بخفض أسعار الفائدة. كما زادت حدة الإقبال على الذهب، بسبب عوامل داخلية في الاقتصاد الأمريكي، من بينها الإغلاق الحكومي وأزمة الديون، إلى جانب المخاوف من تصحيح حاد في أسواق الأسهم التي وصلت إلى مستويات قياسية.
في الوقت ذاته، واصلت البنوك المركزية حول العالم مشترياتها القياسية من الذهب، لتعزز الطلب المؤسسي عليه بشكل ملحوظ. كما شهدت صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب تدفقات غير مسبوقة، وهو ما جذب بدوره المستثمرين الأفراد الذين سارعوا إلى الشراء بعد ملاحظتهم هذا الاتجاه، ما أدى إلى تسجيل مستويات قياسية جديدة في الطلب على المعدن الأصفر.
ويبقى السؤال الأبرز الذي يشغل الأسواق: هل سيواصل الذهب رحلة الصعود؟ الإجابة تعتمد على مسار التطورات الاقتصادية والسياسية المقبلة، وعلى استمرار حالة عدم اليقين التي تدفع المستثمرين إلى الأصول الآمنة. ومع ذلك، رفعت مؤسسات مالية كبرى مثل جولدمان ساكس وبنك أوف أمريكا توقعاتها لسعر الذهب إلى 5 آلاف دولار للأونصة خلال العام المقبل، في حال استمرت التوترات التجارية وتراجعت أسعار الفائدة العالمية.
هكذا يظل الذهب وفيًا لقاعدته التاريخية: عندما يتراجع اليقين، يلمع المعدن الأصفر. وبين تقلبات السياسة وتحديات الاقتصاد، يبقى السؤال مطروحًا: هل يواصل الذهب صعوده التاريخي، أم أن الهدوء المرتقب سيخفف من بريقه؟
