الحضور هو الحضور والأسماء فقط هي الثابتة وكل ما عداها تغير بالكامل، فمراسم الاستقبال الاستثنائية التي أطلقت فيها المدفعية 21 طلقة وشاركت فيها وحدات الشرف الأميركية عكست أن ما تحقق بين البلدين خلال سبع سنوات فاق الكثير من التصورات، كما أوضحت مجلة "تايم" الأميركية التي وصفت الحدث بـ"لحظة محورية تناقش فيها أمور جيو سياسية واقتصادية كبيرة".
بينما كان اصطحاب دونالد ترامب لولي العهد الأمير محمد بن سلمان في جولة داخل البيت الأبيض المنتشر في أركانه الأعلام السعودية رسالة تأكيد أن ما يحدث ليس مجرد زيارة بل "عودة بارزة"، ما علقت عليه صحيفة لو موند الفرنسية قائلة :" بن سلمان يحمل الأوراق التي لا يحملها زعماء آخرين وما يحدث يتجاوز التحالف القديم بين البلدين إلى شراكة مالية تقنية حديثة".

قبل 7 سنوات وتحديدًا حين هبطت طائرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في واشنطن مارس 2018، بدت لحظة الوصول أكبر من مجرد بداية لزيارة رسمية استثنائية تؤكد عمق العلاقات بين الرياض وواشنطن، فالاندفاع غير المسبوق من الإعلام الدولي كشف مدى فضول الجميع آنذاك لمعرفة صانع التحول الأكبر في الشرق الأوسط.
لذلك تحول البيت الأبيض في دقائق إلى مركز تغطية مكثف من كبريات الصحف والوكالات والقنوات التي جاءت لالتقاط حضور ولي العهد ومعرفة ملامح مشروعه، خاصة أثناء حديثه مع الرئيس دونالد ترامب الذي أكد بدوره إنه حان الوقت لجعل العلاقات مع السعودية أقوى من أي وقت مضى كما وصف الملك سلمان بأنه "ملك استثنائي نشتاق إليه".

في سياتل أو مركز الصناعات الثقيلة كما تسمى اتخذت الزيارة شكلًا أقوى بعد أن زار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أحد مصانع شركة بوينغ، وهناك تم توقيع اتفاقيات ضخمة بين الأخيرة وبين الشركة السعودية للصناعات العسكرية، واستهدفت الاتفاقيات تطوير أكثر من 55% من خدمات الصيانة والإصلاح للطائرات العسكرية ونقل تكنولوجيا دمج الأسلحة على الطائرة، وكذلك إنشاء سلسلة إمداد محلية لقطع الغيار داخل السعودية، ما دفع صحيفة "ديفينس نيوز" الأميركية والمختصة بالصناعات العسكرية إلى وصف الصفقة بـ "خطوة إستراتيجية كبيرة للمملكة".
جسّد وادي السيلكون محطة هامة في جولة ولي العهد، إذ لم يكتفي الأمير محمد بن سلمان بمتابعة ما شاهده في منبع التكنولوجيا العالمية بل فكر في كيفية تطبيق التقنيات الحديثة في السعودية لتستفيد منها، وهذا ما حدث حين ألتقى مؤسسي غوغل سرجي براين ولاري بايج وناقش معهما كيفية تطوير التطبيقات داخل المملكة، خاصة بقطاعي التعليم والصحة، كما ناقش مع تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل سبل التعاون في الحوسبة السحابية والتحول الرقمي.

لاحقًا تم ترجمة تلك النقاشات إلى اتفاقيات وشراكات بينما علقت وكالة "بلومبرغ" على جولة ولي العهد في وادي السيلكون قائلة :"سعي واضح لعقود تكنولوجية.. ولي العهد بحث عن شراكات تقنية لصالح رؤية 2030".
أمام باب منزله في هيوستن وقف الرئيس الأسبق جورج بوش فاتحًا ذراعيه لولي العهد الأمير محمد بن سلمان و الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع، بينما انتظرهم في الداخل الرئيس "بوش الأب" فرحًا بالزيارة التي جاءت بعد انتهاء مهمات ولي العهد الرسمية، وعلى مأدبة غداء أقيمت خصيصًا للحدث جلس الأربعة ومعهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر.
ورغم قامات الحاضرين الكبيرة لم تحمل الزيارة أي طابع رسمي بل اتسمت بالأحاديث الودية كـ "دليل امتداد وتأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين" بنص وصف الأمير خالد كما شارك "بوش الابن" صورة من الزيارة عبر حسابه بمنصة "إكس" مرفقة بتعليق" فرصة رائعة للاحتفال بالصداقة".
أما بالنسبة للنادلة الأميركية شونيل التي تعمل في أحد أفرع مقهى "ستاربكس" وسط مانهاتن، لم تكن ترى هذا اليوم سوى يوم عمل عادي قبل أن تتفاجئ بان أحد زبائنها هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي ظهر أمامها متحررًا من ربطة العنق رفقة مايكل بلومبرغ حاكم مدينة نيويورك الأسبق ومؤسس شبكة بلومبرغ، وقد وقف ولي العهد في الطابور ملتزمًا بالنظام قبل أن يطلب قهوة معززة بنكهة الشوكلاته الساخنة.
المثير أن اليوم لم يتحول لحدث فارق في حياة "شونيل" فقط، بل في المقهى الأمريكي الذي ارتفعت أسهمه في ذلك اليوم بنسبة 23% وهو ما علقت عليه الصحيفة البريطانية فاينانشال تايمز قائلة "حتى فنجاة قهوة في ستاربكس تحول إلى عنوان صحفي" في دلالة على أهمية الضيف والحدث.
أثناء زيارته لأحد المنازل المتضررة من إعصار هارفي بهيوستن وقد تم إعادة بناء المنزل من خلال جهد إغاثي بواسطة متطوعين سعوديين، التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عددًا من هؤلاء المتطوعين وقد شكرهم باعتبارهم خير ممثل للمملكة وجهدها الإنساني العالمي، كما التقى عمدة هيوستن آنذاك سيلفستر تيرنر.

لكن المشهد الأبرز كانت مداعبة "الأمير" لأحد الأطفال المتواجدين ومصافحته بابتسامة أبوة لتلتقط صورة عفوية وتتصدر وسائل إعلام محلية وعالمية وتكون مسك الختام للزيارة التي تناولتها صحيفة "التايم" الأميركية بسؤال "هل يمكننا أن نصدق أنه قادر على تحويل الشرق الأوسط"؟.
وبعد 7 سنوات لم يعد السؤال مطروحًا لأن الحقائق أثبتت قدرته على ذلك، وبات السؤال الأدق: ماذا يحمل ولي العهد للعالم في السنوات المقبلة وقد أضحت السعودية لاعب رئيسي في صناعة القرار العالمي؟
