خلال ربع قرن، انتقل العالم من مرحلة العولمة والنمو السريع إلى ما يصفه البعض اليوم بالتفكك العالمي والتخلي عن المعايير الدولية وأنماط التجارة الراسخة.
وفي ظل تصاعد المخاطر والتحديات الكبرى، يزداد التساؤل حول مصدر النمو المستقبلي، وخاصة في آسيا؟ وكيف يمكن لاقتصادات المنطقة مواصلة رحلتها نحو الازدهار والتنمية المستدامة بعد العقود التي شهدت فيها طفرة تنموية غير مسبوقة؟
لكن، "ثمة أسباب وجيهة تدعو للاعتقاد بأن الدول النامية في آسيا، وتلك العالقة فيما يسمى فخ الدخل المتوسط، قادرة على النمو، والوصول إلى مصاف الدول ذات الدخل المرتفع، وبناء اقتصادات ومجتمعات شاملة ومرنة ومستدامة"، كما كتب بامبانج برودجونجورو، العميد والرئيس التنفيذي لمعهد بنك التنمية الآسيوي، في مقالة كتبها في صحيفة "نيكاي آسيا":
ولتحقيق هذا الهدف، ذكر العميد 5 أركان أساسية يمكن أن تشكل أساساً للتنمية الاقتصادية.
أولاً: استقرار الاقتصاد الكلي، والذي يشمل السياسة المالية، والأنظمة المالية المتينة، إذ سترسي هذه العوامل دعائم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتمكن الحكومات من تنفيذ سياسات على المدى البعيد وتوفر موارد محلية للاستثمارات العامة.
ومع ازدياد دور القطاع المالي في حشد رؤوس الأموال للاستثمار، أصبحت اللوائح المالية، مثل تقييمات المخاطر والإفصاحات، ضرورية لدعم السياسات التي تعزز النمو الاقتصادي المستدام.
ثانيًا: الانفتاح والتجارة والتكامل الإقليمي عوامل أساسية للنمو المستقبلي، فقد لعبت أطر التعاون الإقليمي، مثل رابطة آسيان، وبرنامج التعاون الاقتصادي الإقليمي لآسيا، دورًا محوريًا في تعزيز سلاسل التوريد وتبني التكنولوجيا.
كما أن تعزيز التعاون في مجالات أخرى، مثل الحلول البديلة لتسوية النزاعات، يساعد على تعزيز الثقة وتقليل التكاليف وضمان بيئة مستقرة للاستثمار والتجارة العابرة للحدود.
ثالثًا: الابتكار والتحول الرقمي قوة أخرى تدعم النمو في آسيا، ففهم الابتكار الرقمي وتطويره، من التكنولوجيا المالية إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، ضروري لدعم الإنتاجية، والحفاظ على القدرة التنافسية في ظل تراجع عوائد العمل ورأس المال التقليدي.
كما أن دعم ريادة الأعمال وبناء أسواق ديناميكية يساعد في تحقيق تحول اقتصادي شامل ومستدام قائم على الإنتاجية.
رابعًا: التنمية الشاملة ضرورة لتحقيق مستقبل مزدهر، إذ تسهم في الحد من الفقر، وتحسين الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، ودعم التنمية الريفية. فالحد من عدم المساواة يعزز التماسك الاجتماعي ويوسع الأسواق، ويقوي الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وعندما تتوفر فرص عادلة في الرعاية والتعليم والتغذية، يتحسن كل من القوى العاملة والإنتاجية، وتصبح المجتمعات أكثر قدرة على مواجهة الصدمات الاقتصادية والصحية والمناخية.
خامسًا: التحول نحو تنمية مستدامة أصبح ضرورة. فبعد عقود من النمو المعتمد على التصنيع الكثيف والبنية التحتية عالية الانبعاثات، تحتاج الاقتصادات الآسيوية إلى استدامة قطاعات البنى التحتية الأساسية: النقل، والطاقة، والتكنولوجيا الرقمية، والمياه، والصرف الصحي.
وأظهرت الأبحاث أن تحسينات البنية التحتية للنقل ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإعادة هيكلة الصناعة، وتعزيز التجارة، وتطوير سوق العمل، وتحسين جودة الحياة في المدن.
ورغم أن هذه التحديات كبيرة ومعقدة، إلا أنه يمكن التغلب عليها إذا توفرت المعرفة والخبرة والإرادة السياسية وتعاون الأطراف المعنية. وباعتباره مركز فكر متخصص في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، سيواصل المعهد دوره في دعم صناع السياسات عبر الأبحاث والشراكات الإقليمية والدولية.
وبالنظر إلى ما سبق، الإيمان القوي بأن دول آسيا النامية تستطيع أن تنجح وتزدهر خلال هذا القرن مبرر، بحسب برودجونجورو.
