على مدى عقد كامل، هيمنت شركة واحدة على سوق الشرائح المتقدمة التي تشغل تطبيقات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، ألا وهي "إنفيديا"، مستندة إلى تصاميم رائدة لوحدات معالجة الرسوميات، وإلى القدرات التصنيعية الهائلة لشركة "تي إس إم سي" التايوانية التي تنتج 90% من شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة في العالم.
لكن هذا الاحتكار بدأ يتصدع. بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، شركات جديدة مثل "جوجل" و"أمازون" بدأت تعرض شرائحها المتقدمة للعملاء الخارجيين، منافسة وحدات "إنفيديا" من حيث القوة والكفاءة. كما دخلت شركات أصغر مثل "أيه إم دي" و"كوالكوم" و"بروادكوم" بثقلها في سوق حوسبة الذكاء الاصطناعي للمراكز الضخمة. وحتى بعض أكبر عملاء "إنفيديا"، بينهم "أوبن أيه آي" و"ميتا"، شرعوا في تطوير شرائحهم الخاصة، ما يضع تحديا جديدا أمام هيمنة الشركة.
هل من الممكن أن تتراجع مبيعات "إنفيديا"؟
صحيح أن "إنفيديا" لن تخسر عملاءها الأساسيين فجأة، لكن سعي شركات الذكاء الاصطناعي لتنويع مورديها قد يحد من الوتيرة الخيالية لنمو مبيعاتها، خاصة في ظل سوق تشهد تغيرات أسبوعية، سواء بإطلاق أجيال جديدة من الشرائح أو بإبرام صفقات بنى تحتية ضخمة.
تعد "إنفيديا" اليوم الشركة الأكثر قيمة في العالم، وقد حولت مديرها التنفيذي جنسن هوانج إلى أيقونة في القطاع. وتستمر الشركة في تصوير نفسها بوصفها مزودا لحلول "مصانع الذكاء الاصطناعي" وليس مجرد صانع شرائح. لكن المنتج الجوهري يبقى واحدا: الحوسبة المسرعة التي تسعى إليها كل شركات الذكاء الاصطناعي.
من فبراير إلى أكتوبر، باعت "إنفيديا" ما قيمته 147.8 مليار دولار من الشرائح والمكونات الشبكية، ارتفاعا من 91 مليارًا قبل عام. وفي يوليو تخطت قيمتها السوقية 4 تريليونات دولار، ثم لامست 5 تريليونات قبل أن تتراجع مع ازدياد المخاوف من فقاعة في قطاع الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، تظل الشركة أعلى بأكثر من الضعف من أقرب منافسيها، "بروادكوم" البالغة قيمتها 1.8 تريليون دولار.
كيف تطورت "إنفيديا" منذ عام 1993؟
بدأت "إنفيديا" بداية متواضعة عام 1993، حين أسسها هوانج وصديقاه على طاولة في مطعم "دينيز" بهدف تصميم شرائح لرسوميات ثلاثية الأبعاد. لكن قدرة الشرائح على المعالجة جعلتها مثالية لاحقا لتطبيقات التعلم العميق. وفي 2006، قدمت "إنفيديا" منصة "كودا" التي رسخت مطوري البرمجيات داخل منظومتها.
ومع طفرة الذكاء الاصطناعي، سرعت الشركة وتيرة إطلاق أجيال جديدة من شرائحها. فقد نفدت شحنات سلسلة خوادم "جريس بلاكويل" فور صدورها، ويقول هوانج "إن الشركة باعت حتى الآن 6 ملايين شريحة ولديها طلبات لـ14 مليونًا أخرى، بقيمة تتجاوز نصف تريليون دولار. لكن القيود الأمريكية التي منعت "إنفيديا" من بيع شرائحها للصين خلال السنوات الثلاث الماضية لا تزال أكبر نقطة ضعف لها، إذ يرى هوانج أن الصين تضم نصف مطوري الذكاء الاصطناعي في العالم.
في المقابل، يكثف المنافسون هجومهم. قبل 3 سنوات، أعادت "أيه إم دي" توجيه إستراتيجيتها بالكامل نحو الذكاء الاصطناعي، ما رفع قيمتها السوقية إلى أكثر من 350 مليار دولار وفتح لها صفقات كبرى مع "أوبن أيه آي" و"أوراكل". كما أصبحت "بروادكوم" بدورها قوة ضخمة بفضل شرائحها المخصصة XPUs وشبكات تربط مراكز البيانات الهائلة. أما "إنتل"، ورغم تعثرها، فقد بدأت استثمارات كبيرة لاستعادة موقعها في شرائح المراكز المتقدمة. وأعلنت "كوالكوم"، التي ارتفعت أسهمها 20%، عن شرائح AI200 وAI250 الموفرة للطاقة وذات الذاكرة الكبيرة.
الشركات الكبرى تشعل المنافسة؟
وتعمق الشركات العملاقة منافستها لـ"إنفيديا"، فـ"جوجل" توسع استخدام معالجات TPU لجهات خارجية مثل "ميتا" و"أبل" و"أنثروبك".
بل إن عملاء "إنفيديا" أنفسهم بدأوا تطوير شرائح ASIC مخصصة بالتعاون مع شركات كبرى لتصنيع الشرائح. فقد عقدت "أوبن أيه آي" شراكة مع "بروادكوم" لتطوير شرائحها الخاصة، وأعلنت "ميتا" عن استحواذها على شركة "ريفوس" لدعم جهودها، وأعلنت "مايكروسوفت" خططا للاعتماد أكثر على مسرعاتها.
ورغم احتدام المنافسة، يتوقع معظم المراقبين بقاء "إنفيديا" قائدة للسوق بفضل تنوع حلولها، لكن واقعا جديدا يتشكل: "إنفيديا" لم تعد اللاعب الوحيد في ساحة الذكاء الاصطناعي المتقدم.

