مع تسارع التحولات الاقتصادية في القطاع الرياضي السعودي واتجاهه للخصخصة، تظهر فكرة "الصكوك الرياضية" كأداة تمويل محتملة لتمكين الأندية الرياضية من تحقيق الاستدامة المالية، وجذب الاستثمارات، وتوسيع أنشطتها.
ورغم أن هذا المفهوم لا يزال ناشئا في القطاع الرياضي العالمي فإن أسواقا مثل ماليزيا وإندونيسيا وقطر مهدت الطريق من خلال تجارب في تمويل قطاعات مرتبطة بالرياضة، ما يفتح الباب أمام تبني صيغ مماثلة على مستوى الأندية السعودية المتجهة للخصخصة.
سوق الصكوك الرياضية سيتيح تحويل حقوق البث والرعاية والتذاكر إلى أصول قابلة للتمويل، ما يخلق دورة مالية مستدامة لا تعتمد على دعم حكومي بل على عوائد استثمارية تعزز قدرة الأندية على الإنفاق والتطوير.
700 مليار ريال حجم الصكوك والسندات في السعودية
الصكوك أو السندات هي أوراق مالية تصدرها الحكومات أو الشركات لجمع الأموال من المستثمرين لفترة زمنية محددة بتاريخ سداد محدد، وخلال هذه الفترة عادة ما توزع الصكوك والسندات معدل ربح (ثابت أو متغير) بشكل دوري.
وفي نهاية عمر الصك أو السند، المعروفة بفترة الاستحقاق، يقوم مصدر الورقة المالية بسداد رؤوس الأموال التي تم جمعها من المستثمرين.
اقترب إجمالي حجم الصكوك والسندات في السعودية سواء للحكومة أو للشركات من 700 مليار ريال خلال الربع الثالث من العام الحالي، بحسب هيئة السوق المالية السعودية.
تخصيص 3 أندية رياضية سعودية في المسار الثاني
وزارة الرياضة السعودية أعلنت في يوليو الماضي بالتعاون مع المركز الوطني للتخصيص، عن تخصيص أول 3 أندية رياضية سعودية عبر الطرح العام، وهي: الأنصار، والخلود، والزلفي، وانتقال ملكيتها إلى جهات استثمارية.
وكان قد تم الإعلان، في أغسطس 2024، عن طرح 6 أندية ضمن المسار الثاني من مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، وهي: الأنصار، والأخدود، والخلود، والزلفي، والعروبة، والنهضة.
أما المسار الأول فقد شمل تحويل أندية: الهلال، والنصر، والاتحاد، والأهلي إلى شركات، مع نقل 75% من ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة، كما تم نقل ملكية نادي القادسية إلى شركة أرامكو، والعلا إلى الهيئة الملكية لمحافظة العلا، والدرعية إلى هيئة تطوير الدرعية، والصقور إلى شركة نيوم، التي قامت بتغيير اسم النادي إلى نادي نيوم.
رئيس الخلود: لا خطط لاستخدام الصكوك للتمويل والتوسع
من بين المستثمرين الذين انتقلت لهم ملكية الأندية الـ 11، يبرز اسم الأمريكي بن هاربورج الذي استحوذ على ملكية نادي الخلود، بحكم أنه المستثمر الأجنبي الوحيد حتى الآن، الذي يمتلك ناديا لكرة القدم في السعودية.
رجل الأعمال الأمريكي والشريك الإداري لشركة الاستثمار العالمية "إم إس إيه كابيتال"، الذي يمتلك 6.5% من نادي قادش الإسباني، قال: إنه فخور بكونه أول مالك أجنبي لأحد أندية السعودية، حيث يرى أن هناك نموا هائلا مقبلا مع رؤية السعودية 2030، وأيضاً كأس العالم 2034".
"الاقتصادية" طرحت عليه سؤالا عن إمكانية إصدار صكوك لتمويل التوسع المستقبلي لنادي الخلود: وأجاب "لا توجد حتى الآن أي خطط لاستخدام الصكوك لتمويل التوسع"، رافضا الإفصاح في الوقت الحالي عن أي شيء يخص توقعات ميزانية النادي هذا الموسم.
العضيب: الزلفي منفتح على أي تجربة تحقق النمو والاستدامة
أدخل نادي الزلفي مالكه الجديد شركة نجوم السلام، للاستثمار والتطوير العقاري إلى القطاع الرياضي بعد 33 عامًا من تركيزها على مجالات تخصُّصها، منذ تأسيسها في مدينة الرياض.
وقال عبد الله العضيب، الرئيس التنفيذي لشركة «نجوم السلام القابضة»، بعد الاستحواذ على نادي الزلفي: "دخولنا في هذا المجال يمثل مسؤولية وطنية وثقة غالية، نشعر بالفخر والمسؤولية والثقة لكوننا من أوائل المستثمرين في القطاع الرياضي، فهذا لا يعني فقط الاستثمار، بل الإسهام في رسم مستقبل الرياضة السعودية، ووضع بصمتنا في مرحلة تاريخية من التحول».
"الاقتصادية" سألت عبدالله العضيب عن إمكانية إصدار صكوك لتمويل التوسع المستقبلي لنادي الزلفي: وأجاب "نحن منفتحون على أي تجربة أو أي شيء يحقق النمو والاستدامة لنادي الزلفي"، مؤكدا أن موضوع الصكوك موضوع جديد على الساحة الرياضية.
صكوك كابيتال: خيار الصكوك مناسب لتمويل الأندية ضمن الخصخصة
ارتفعت القيمة السوقية لأندية دوري روشن السعودي بنسبة 288%، متجاوزة 1.157 مليار يورو في سبتمبر 2025، مقارنة مع 298 مليون يورو قبل الخصخصة في يونيو 2023، وفقا لتقرير شركة صكوك كابيتال بعنوان "كرة القدم السعودية".
تُظهر بيانات التقرير أن قيمة سوق الرياضة في السعودية تضاعفت أكثر من 3 مرات منذ إطلاق برنامج التحول، إذ قفزت من 2.4 مليار دولار 2016 إلى 6.9 مليار دولار في 2019، ثم إلى 7.16 مليار دولار في 2023.
وتشير التقديرات إلى أن السوق ستتجاوز 22.5 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي يبلغ 17.8 %.
وقال لـ "الاقتصادية" فارس القحطاني رئيس قسم الأبحاث في صكوك كابيتال: إن "إصدار الصكوك يمكن أن يكون خيارًا مناسبًا لتمويل الأندية ضمن مرحلة الخصخصة، خصوصًا أن الصكوك تعتمد على مشاريع محددة وليست مرتبطة بحجم الجمهور".
أضاف، "كما أن الخصخصة نفسها ستسهم في رفع الكفاءة والفاعلية المالية للأندية، ما يعزز قدرتها على تنفيذ مشاريع قابلة للتمويل عبر الصكوك".
وحول قدره السوق المالية اليوم من ناحية التنظيم والتشريعات جاهزة لاستيعاب هذا النوع من الصكوك الموجهة لقطاع رياضي لا يزال في مرحلة التحول؟ أجاب القحطاني "حاليًا، الإجابة هي: لا، لأن أغلب الأندية التي لم تُخصخص بعد ما زالت تعمل بصفة (كيانات حكومية) وليس كشركات".
أضاف، "هذا يجعل إصدار الصكوك غير ممكن تشريعيًا لكن بعد الخصخصة وتحول الأندية إلى شركات، سيصبح الإطار القانوني مكتملًا، وعندها تكون السوق المالية جاهزة تمامًا لاستيعاب هذا النوع من الإصدارات".
استخدام الصكوك في الرياضة عالميا .. محدود
على المستوى العالمي، استخدام الصكوك في الرياضة محدود، لكنه موجود حيث أصدرت إحدى الشركات التابعة شركة لنادي السد القطري في عام 2019 صكوكا لتمويل تطوير الملاعب والبنية التحتية الرياضية.
وكانت هذه الصكوك مرتبطة بأصول رياضية جذبت مستثمرين ما ساعد على النهوض بالنادي خاصة بجلب صفقات للفريق الكروي.
في ماليزيا أصدرت (الجامعة الوطنية للرياضة) في عام 2015 صكوكا بقيمة 500 مليون رينغيت (130 مليون دولار) لتمويل برامج رياضية وطنية، بما في ذلك دعم الفرق الكروية حيث كانت مرتبطة بمشاريع بنى تحتية رياضية.
جمع الأموال عن طريق الصكوك يرسخ مبادئ الحوكمة
الفرصة سانحة الآن أكثر من أي وقت مضى لاستغلال الحلول التمويلية المبتكرة لجمع رؤوس أموال ضخمة من قاعدة جماهيرية ومستثمرين ويمكن للشركات (مثل تلك المملوكة للأندية) استخدام الصكوك الرياضية لجمع أموال تشغيلية دون الإدراج الإلزامي في البداية.
جمع الأموال عن طريق الصكوك الرياضية يرسخ مبادئ الحوكمة بينما يظل الالتزام القانوني والمالي ركيزة أساسية لنجاح هذه الإصدارات، ما يؤكد على أهمية الاستعانة بخبرات استشارية متخصصة، لضمان التوافق التام مع الأنظمة والضوابط المعمول بها لتكون خطوة إستراتيجية نحو اقتصاد رياضي متكامل ومستدام.
فهل ستشهد الاسواق المالية إقبالاً من شركات الأندية على استخدام خيارات تمويلية إستراتيجية في المستقبل القريب؟.




