أحمد الشهري

في خطوة إستراتيجية تبرز التزام السعودية بتعزيز الاستقرار المالي طويل المدى لمواطنيها، أطلقت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية برنامج توعية حكومي "وفرة" للوعي المالي، وهو ما يتماشى بشكل مباشر مع أهداف إستراتيجية الادخار الوطنية التي تهدف إلى رفع ادخار الأسرة السعودية من 6٪ إلى 10٪ بحلول 2030.

 ويأتي هذا البرنامج جزءا من جهد وطني أوسع لغرس ثقافة الادخار وتحسين المعرفة المالية للأفراد، مبادرة تتجاوز حدود التثقيف الاجتماعي إلى كونها أداة ضمن حزمة السياسات الاقتصادية الكلية وتطوير رأس المال البشري الوطني.

تكمن القيمة الاقتصادية الجوهرية -التي ينادي بها الاقتصاديون- في تحويل سلوكيات الأفراد من الاستهلاك المفرط إلى ممارسات مالية منظمة، إذ يسهم الإدراك الاقتصادي لدى الأفراد مباشرة في زيادة رفاهية المجتمع، من خلال توجيه جزء من الدخل نحو قرارات مالية أكثر صواباً ضمن خيارات سلوكية غير منتهية في النظام الاقتصادي.

تقود المبادرة المجتمع نحو تعزيز ثقافة الادخار المتوازن بما يرفع كفاءة التطور المالي ويركز على مبدأين أساسيين. الأول سلوكي، ويتمثل في التحول من نمط الإنفاق اللحظي إلى نموذج إنتاجي واستثماري مستدام، حيث يشكل الادخار العائلي مصدراً داخلياً للتمويل ويمنح الأسر قدرة أكبر على مواجهة الطوارئ وتجنب الأزمات المالية المفاجئة، كما أن هذا الفائض غير المستهلك سيتحول لاحقاً إلى رصيد إضافي. 

أما المبدأ الثاني فيركز على بناء نظام مؤسسي للرعاية المعرفية المالية، من خلال تمكين الأفراد من التخطيط المالي السليم وتطوير خبراتهم التراكمية عبر أدوات يمكن التفاعل معها، لتصبح اليقظة المالية جزءاً أصيلاً من صناعة القرارات المالية المستنيرة داخل الأسرة والمجتمع، وبما يضمن استدامة الوعي الاقتصادي وثراء التجربة المجتمعية ومن خلال قنوات حكومية رسمية وموثوقة. 

وفي نفس السياق، اعتمدت التأمينات الاجتماعية منهجية لضمان فعالية المنصة من خلال الرقمنة، حيث توفر المنصة الرقمية التفاعلية تعليم مالي متخصص ودعم احترافي القطاع الاستشاري من خلال شهادة خبير الوعي المالي وذلك بالتعاون مع الأكاديمية المالية، وهذه من شأنه أن يقلل من المعلومات غير المتماثلة بين المستشارين والعملاء، وهذا ما يفسر انخفاض الاشتراك في برامج الادخار المتنوعة التي تقدمها المؤسسات المالية المتخصصة.

في الختام: يمثل توجه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عبر برنامج " وفرة" للوعي المالي قراراً بأن الوعي المالي للمجتمع لم يعد مجرد معلومات عابرة، بل بنية تحتية ناعمة وضرورية للنمو الاقتصادي وسلامة الوضع المالي للقطاع العائلي، فالمواطن المثقف مالياً هو مستهلك رشيد، ومقترض مسؤول، ومستثمر مطلع على قواعد الاستثمار المالي الناجح والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى بناء جيل قادر على إدارة ثروته الشخصية وتحسين مستوى جودة الحياة.

مستشار اقتصادي متخصص في السياسات الاقتصادية وإدارة إستراتيجيات الأعمال