الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 | 14 جُمَادَى الْأُولَى 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين9.84
(-4.37%) -0.45
مجموعة تداول السعودية القابضة193.1
(-2.96%) -5.90
الشركة التعاونية للتأمين130.8
(0.15%) 0.20
شركة الخدمات التجارية العربية114.5
(-4.02%) -4.80
شركة دراية المالية5.5
(-0.72%) -0.04
شركة اليمامة للحديد والصلب35.4
(-1.39%) -0.50
البنك العربي الوطني23.49
(-2.61%) -0.63
شركة موبي الصناعية12.12
(6.13%) 0.70
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة34.34
(-2.44%) -0.86
شركة إتحاد مصانع الأسلاك23.72
(-1.98%) -0.48
بنك البلاد28.52
(-1.86%) -0.54
شركة أملاك العالمية للتمويل12.9
(-2.42%) -0.32
شركة المنجم للأغذية54.3
(-1.54%) -0.85
صندوق البلاد للأسهم الصينية11.99
(-0.08%) -0.01
الشركة السعودية للصناعات الأساسية58.3
(-0.77%) -0.45
شركة سابك للمغذيات الزراعية120.1
(-1.96%) -2.40
شركة الحمادي القابضة32.5
(-2.11%) -0.70
شركة الوطنية للتأمين14.15
(-1.74%) -0.25
أرامكو السعودية25.6
(-0.62%) -0.16
شركة الأميانت العربية السعودية19.09
(-1.34%) -0.26
البنك الأهلي السعودي39.4
(-1.10%) -0.44
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات32
(-1.11%) -0.36


بكر عبداللطيف الهبوب

لطالما كان التشريع نقطة الانطلاق للإصلاحات الكبرى للدول، وبوابة التنمية ودرعًا يطمئن المستثمر، وميزانًا يضبط علاقة الدولة بالمجتمع والسوق. لكن في زمن تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، لم تعد الدول تملك ترف البطء، فتلجأ أحيانًا إلى أسلوب حاد يعرف بــ "مقصلة التشريعات" (Regulatory Guillotine)، الذي يقوم على مراجعة شاملة للأنظمة السارية وإلزام الجهات الحكومية بتبرير كل لائحة، ليُلغى تلقائيًا ما يفتقر للجدوى. تُدار العملية غالبًا عبر هيئة مستقلة لضمان الحياد والفعالية، وتهدف إلى تقليص البيروقراطية، وإزالة التعارض، وتبسيط بيئة الأعمال بما يعزز التنافسية ويحفز الاستثمار.

وُلدت الفكرة في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وسرعان ما امتدت لتصبح أداة إصلاحية واعتمادية في عدة دول حول العالم. وكانت هنغاريا في منتصف التسعينيات أول من تبنّى المقصلة التشريعية، حيث أخضعت أكثر من 26 ألف لائحة للمراجعة، وانتهى المطاف بإلغاء نسبة معتبرة منها لتحرير الاقتصاد من أصفاد البيروقراطية التي كبّلته لعقود.

وفي أوكرانيا 2003، وبإشراف البنك الدولي، جرى تقييم نحو 11 ألف تنظيم، أُلغي منها 45%، ما انعكس إيجابًا على ترتيبها في مؤشرات ممارسة الأعمال رغم تعقيدات المشهد السياسي. أما جورجيا فقد قفزت بما يقارب 100 مركز في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال خلال أقل من عقد، بفضل نهج التشريع القاطع الذي ألغى آلاف اللوائح.

وفي كازاخستان وقيرغيزستان، استهدفت العملية تقليص العبء التنظيمي على الشركات الصغيرة والمتوسطة، فاختُصر متوسط الوقت المطلوب لبدء النشاط التجاري بنسبة تقارب 71%، ما عزز سرعة الإجراءات وكفاءة بيئة الأعمال.

إنَّ سرعة نتائج مقصلة التشريعات تحمل جاذبية لا تُقاوم لدول اختارت قبول مخاطر التغيير السريع على حساب تقليص عشرات السنين من التراكم التشريعي في أشهر قليلة. فالتشريعات المتراكمة غالبًا ما تثقل البيئة الاستثمارية وتفتح الباب أمام نمو خلايا الفساد نتيجة توسع مساحة التفسير الشخصي وتعقيدات البيروقراطية التي راكمت تكاليف ورسومًا غير منظمة.

كما أن هذه العملية تتيح للدول فرصةً لتحديث الإطار القانوني بما يتناسب مع متطلبات العصر، بحيث تتحول النصوص من عبء إلى أداة تحفيز. لكن بريق الجاذبية قد ينقلب إلى انعكاس مغاير. فالاستئصال السريع قد يتجاهل النقاط العمياء في سلسلة القيمة التشريعية للقطاعات المختلفة، ما يفضي إلى فراغات تنظيمية أربكت المستثمرين في تجارب مثل كازاخستان وقيرغيزستان.

فقد أُلغي عدد كبير من اللوائح في فترة وجيزة، فباتت بعض القطاعات بلا مرجعيات واضحة، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى التريث حتى تتضح القواعد الجديدة، وأدى إلى تباطؤ تدفق الاستثمارات لفترات مؤقتة. كما رُصدت حالات في دولٍ ظهرت فيها فجوات أضعفت حماية الشركات الصغيرة وتركت المجال لتفسيرات شخصية وقرارات مزاجية من بعض السلطات التنفيذية.

إلى جانب ذلك، تُتهم مقصلة التشريعات بأنها إصلاح من أعلى إلى أسفل، بقرارات فوقية لا تعكس مشاركة كافية من القطاع الخاص أو المجتمع المدني، ما يقلل من شمولها في معالجة الفجوات التنظيمية الحقيقية. وفي بعض الحالات تحولت إلى مجرد "حملة علاقات عامة"، لا تغيّر جوهر البيئة الاستثمارية كما يراها المستثمر. فالمستثمر يبحث عن بيئة تنافسية، وقوانين شفافة، وتكاليف ممارسة أعمال منخفضة.

وفي هذا السياق، تبدو المقصلة وسيلة مغرية لأنها تختصر الطريق نحو بيئة أعمال أكثر توافقًا مع المعايير الدولية. لكن الغموض والفراغ القانوني يبقيان مصدر قلق دائم، فغياب اللوائح قد يعني نزاعات قضائية طويلة أو تفسيرات متناقضة.

 لهذا يصبح الإصلاح التشريعي الناجح مرهونًا بالحوار مع أصحاب المصلحة وربطه بإصلاحٍ مؤسسيٍّ شامل يضمن التوازن بين التبسيط والرقابة. وقد انتبهت المؤسسات الدولية إلى ذلك، فعمل البنك الدولي ومنظمة OECD  على وضع أدلة إرشادية تساعد الدول على الموازنة بين السرعة والدقة. فالإصلاح لا يقتصر على الحذف، بل يتطلب تحديث الإطار المؤسسي وضمان الاستدامة عبر التشاور مع مختلف الأطراف.

وتشير تقارير مقارنة إلى أن الشفافية والاستقرار التشريعي هما الركيزة الأساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث أظهرت دراسة أن استقرار القوانين الضريبية والتنظيمية رَفَعَ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في 80% من الأسواق الناشئة، بينما أدَّت التعديلات العشوائية والمتكررة إلى تراجعها بنسبة تجاوزت 30% في بعض الدول النامية.

إنَّ مقصلة التشريعات ليست وصفةً سحريةً، لكنها قد تكون خطوة مفيدة إذا استُخدمت بحذر، واقترنت بالدقة في التنفيذ والإصلاح المؤسسي والحوار المجتمعي، وتلافي سلبيات تجارب الدول. عندها فقط تتحول من أداةٍ صادمةٍ إلى جسر نحو بيئة أكثر تنافسية وجاذبية، تمنح المستثمر الثقة وتدفع عجلة التنمية على أسس أكثر استدامة.

مستشار قانوني

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية