آبي مكلوسكي
الشركات تسعى للضغط على الساسة في واشنطن لتحمي مصالحها.. لكن في ظل هذا كله من يحمي الأطفال؟
لطالما اجتبى منشئو منصات التواصل الاجتماعي المستخدمين من الأطفال بلا توانٍ متجاهلين الآثار الضارة لهذه التقنية. أو هكذا يدّعي من يطلقون جرس الإنذار في قطاع التقنية وبعض أعضاء الكونجرس على الأقل.
في أواخر نوفمبر، كُشفت ملفات قضائية تتضمن تفاصيل مثيرة، مثل اشتراط "ميتا" أكثر من 17 محاولة اتجار بالبشر قبل الإبلاغ عن أي حساب، وهو أمر أكدته مصادر متعددة لدى الشركة.
المدَّعون هم أكثر من 1800 من أولياء الأمور والمناطق التعليمية والمعلمين والولايات والمدعين العامين، وهم يُحاجُّون بأن الشركات الأم التي تقف وراء ”إنستجرام“ و“تيك توك“ و“سناب شات“ و“يوتيوب“ قد "اتبعت بلا هوادة إستراتيجية نمو بأي ثمن، متجاهلةً بتهور تأثير منتجاتها في الصحة النفسية والجسدية للأطفال".
هل بإمكانكم أن تقولوا صادقين إن هذه ليست مشكلة؟ إليكم ما قاله متحدث باسم شركة ”ميتا“: "نختلف بشدة مع هذه الادعاءات، التي تعتمد على اقتباسات منتقاة بعناية وآراء مغلوطة في محاولة لتقديم صورة مضللة عمداً".
لكن هذه الدعوى القضائية الأخيرة ليست فريدة من نوعها، فالأدلة تتراكم حول التأثير السلبي في الأطفال.
هل تقوم الجهات التشريعية والتنظيمية بدورها؟
يعتقد معظم الآباء والأمهات أن هناك إصلاحات واضحة من شأنها الحفاظ على سلامة أطفالهم. لكن قلة من الهيئات التشريعية للولايات أجبرت شركات التواصل الاجتماعي على تطبيق حدود عمرية أو أدوات تشترط موافقة الوالدين. (أقرت قلة أخرى قوانين عُلقت مؤقتاً بسبب طعون قضائية من شركات التقنية).
هذا الأسبوع فقط، عقدت لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب جلسة استماع حول الحلول التشريعية المحتملة. أشار جميع الشهود، وعدد من أعضاء المجلس، إلى الأضرار التي تلحقها بيئة الإنترنت الحالية بالأطفال. هناك تشريع مشترك يدعمه الحزبان في الكونجرس يتضمن منح الآباء مزيدًا من السيطرة وسن حدود عمرية وحماية بيانات القاصرين.
لكن ما الذي سيدفع هذه القوانين نحو الإقرار في النهاية؟ هذا شأن لا يزال ينتظر. ربما يتردد الكونجرس لأن أعضاءه يفضلون هذه التقنيات على عدم وجودها. لقد أصبحت الخطوط الفاصلة بين شركات التقنية الكبرى والسياسة الكبرى غير واضحة.
لماذا لا يتحرك الساسة الأمريكيون؟
كان الرئيس باراك أوباما أول من استخدم وسائل التواصل الاجتماعي لمصلحته الانتخابية. منذ ذلك الحين، أسس الرئيس دونالد ترمب شركته الخاصة للتواصل الاجتماعي، وقضى إيلون ماسك، مالك شركة ”إكس“، فترة قصيرة في البيت الأبيض. ومع حصول نصف الأمريكيين الآن على بعض أخبارهم السياسية على الأقل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت مصالح السياسيين متوافقة مع مصالح المنصات، وليس مصالح المستخدمين.
علاوة على ذلك، تُسهم الشركات الأم لوسائل التواصل الاجتماعي في جزء كبير من النمو الاقتصادي الأمريكي من خلال استثماراتها في الذكاء الاصطناعي. بغيابها، قد يكون اقتصادنا أضعف بكثير، وهذا أمر لا يرغب أي سياسي أن يحدث خلال ولايته.
إن لم يكن ذلك كافياً، فقد انخرطت شركات التقنية في جهود ضغط هائلة في واشنطن. يبدو الأمر كما لو أنها توقعت رد فعل عنيفا. في العام الماضي، أنفقت مبلغاً قياسياً قدره 86 مليون دولار على مساعي الضغط في واشنطن؛ بزيادة قدرها 25% عن عام 2023. وتنفق شركة ”ميتا“ أكثر من غيرها.
لا يمكننا لوم شركات التقنية والساسة فقط، بالطبع. كثير منا يرغب فيما يقدمه ”يوتيوب“ و“ميتا“ و“تيك توك“. الآباء يريدون عشاءً هادئاً، فيدفعون الأطفال نحو الشاشات. والمعلمون يريدون لحظة لمتابعة رسائل البريد الإلكتروني للمنطقة التعليمية، فيدفعون الأطفال نحو الشاشات، وكذلك حال جلساء الأطفال حين يرغبون في إرسال رسائل نصية من هواتفهم أو إكمال واجباتهم المدرسية. ناهيكم عن الأطفال أنفسهم الذين يريدون الاسترخاء بعد يوم دراسي حافل وتدريب كرة القدم.
تغلغل وسائل التواصل بيّن
وسائل التواصل الاجتماعي لديها الكثير لتقدمه؛ ربما أعمى ذلك أعيننا عن تكاليفها. لكن هذه التكاليف واضحة جداً بحيث لا يمكن تجاهلها، خاصة بالنسبة إلى الأطفال. وجد مركز ”بيو“ للأبحاث أن ما يقرب من 100% من المراهقين الأمريكيين لديهم هاتف ذكي، ويقول نصفهم تقريباً إنهم متصلون بالإنترنت "بشكل مستمر“.
ارتفعت معدلات القلق والاكتئاب بشكل حاد مع انخفاض القدرة على التركيز ومعها معدلات معرفة القراءة والكتابة. كما أن هناك إمكانية للوصول إلى محتوى عنيف وصريح وتحرش من قبل بالغين مفترسين. وفقاً لدراسة لمركز الأخلاق والسياسات العامة، فإن ما يقرب من واحدة من كل ثلاث فتيات مراهقات قد اتصل بهن بالغون يطلبون صوراً عارية على وسائل التواصل الاجتماعي.
تطبيقات التواصل الاجتماعي ليست أدوات خاملة. إنها تعرف رغباتنا وتُشكّلها. لقد حوّل مؤسّسو التقنية أطفالنا إلى زبائن لهم، ثم غضّوا الطرف عندما أصبح هؤلاء الأطفال هم المنتج.
هل تكفي حلول الآباء والأمهات؟
ليس أمام أطفالنا مجال للتكرار، فلا يمكن أن يحصلوا على طفولة ثانية. رغم وجود خطوات يُمكن للآباء اتخاذها لمنع الأضرار المستقبلية - لا هواتف في غرفة النوم، وضع حدود زمنية للشاشة، ووجبات عشاء عائلية بدون هواتف - فقد حان الوقت لوضع حدود خارجية أيضاً.
أقول هذا من يمين الوسط. لست من محبي دولة المربية التقدمية. أنا سعيدٌ بالعيش في بلدٍ تصان فيه حرية التعبير. بشكلٍ عام، أعتقد أن الناس يجب أن يتمتعوا بحرية عيش الحياة التي يريدونها بأقل تدخل حكومي، باستثناء دعم وحماية الفئات الأكثر ضعفاً. لكن هذه الفئة المستضعفة تشمل الأطفال بالتأكيد.
لسنا بحاجة إلى مزيد من الدراسات أو ملفات المحاكم لفهم أضرار وسائل التواصل الاجتماعي على أطفالنا. ما نحتاجه هو الإرادة السياسية للتحرك حيالها.
كاتبة عمود ومضيفة بودكاست ومستشارة. قامت بتوجيه السياسة الداخلية في حملتين رئاسيتين وكانت مديرة السياسة الاقتصادية في معهد المشاريع الأمريكية.
خاص بـ "بلومبرغ"
