ديفيد فيكلينج
@davidfickling
تتراكب العوامل لترفع سعر الفضة لكن بعد انحسار المضاربة سيبقى الطلب مدفوعاً بالطاقة الشمسية
• تراجع العرض مع انحسار ناتج التعدين يسهم في ارتفاع الأسعار وسط طلب متعدد الأسباب
• المضاربات سبب مؤقت وراء ارتفاع الأسعار لكن انحسارها لن يعني عودة الأسعار إلى ماضيها
الخلاصة
شهدت أسعار الفضة ارتفاعًا كبيرًا هذا العام بسبب الطلب الصناعي المتزايد، خاصة في قطاع الطاقة الشمسية والتحول إلى الكهرباء. الإنتاج العالمي يعاني تراجعا مستمرا في المناجم التقليدية، ما يزيد على نقص المعروض. رغم تقليل استهلاك الفضة في بعض التطبيقات، يبقى الطلب أعلى من العرض، ما يدعم استمرار ارتفاع الأسعار فوق 30 دولارًا للأونصة.
عادة ما يحرك المستثمرون المتحمسون ازدهار وتراجع سعر الفضة، إلا أن الصناعيين الرصينين يتحملون نصيبهم من المسؤولية في هذا.
يجدر التأمل في هذه الحقيقة، بالنظر إلى ارتفاع أسعارها الفورية بنسبة 67% حتى الآن هذا العام. يبدو أن الارتفاع الحالي للمعدن النفيس إلى مستوى قياسي بلغ 54.24 دولار للأونصة الأسبوع الماضي يتضاءل مع انحسار حماس المضاربة، فقد انخفض بنسبة 7.1%. يوم الثلاثاء. لكن أي شخص يأمل بعودته إلى مستويات أقل من 30 دولاراً، التي بدت وكأنها سقف للسعر حتى قبل نحو 12 شهراً، قد ينتظر طويلاً.
يكمن سبب ذلك في أن الفضة معدن صناعي بكل معنى الكلمة. يستهلك مستثمرو العملات والسبائك بالكاد خُمس الإنتاج السنوي، بينما تضيف المجوهرات وأدوات المائدة خمساً آخر. أما البقية فيستخدم في المصانع، حيث تدخل الفضة في استخدامات متعددة.
كان هذا الطلب الصناعي هو الدافع وراء كثير من أشهر ارتفاعات أسعار الفضة. في عام 1979، تمكن 3 من تجار النفط في تكساس من السيطرة على السوق، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 62% بين عشية عيد الميلاد وأول يوم تداول في عام 1980 قبل أن يشعل استدعاء تسوية الهامش ذعراً مالياً أوسع. وكانت تلك الحادثة مصدر إلهام لكوميديا تتمحور حول السلع بروح احتفالية (Trading Places).
مع ذلك، لم يكن الأمر محض تكهنات. فكما أن كل نظرية مؤامرة تحمل ذرة من حقيقة، فإن كل فقاعة مالية تحمل نفحة من طلب حقيقي. أدى ظهور التصوير الفوتوغرافي الملون ومصابيح الفلاش الإلكترونية البسيطة في سبعينيات القرن الماضي إلى زيادة إقبال الناس على التقاط الصور أكثر من أي وقت مضى، وهو ما سبب ازدهاراً في مبيعات مستحلبات الصور الفوتوغرافية الغنية بالفضة. ارتفع استهلاك الفضة للتصوير الفوتوغرافي في الولايات المتحدة بنسبة 60% تقريباً بين عامي 1969 و1979، واستحوذت على نحو من نصف السوق.
طفرة التصوير الشمسي تلتها طفرة الطاقة الشمسية
حدث الشيء نفسه في عام 2011، عندما ارتفعت الأسعار بحدة لتبلغ 50 دولاراً للأونصة، إذ لفتت الطفرة الناشئة في الطاقة الشمسية الانتباه إلى استخدام جديد لهذا المعدن. إن الفضة هي أفضل موصل كهربائي على الإطلاق، ويضمن معجون فائق الرقة مطبوع على الجزء السفلي من الخلية الكهروضوئية توليد أقصى قدر من الكهرباء.
انفجرت تلك الفقاعة عندما أصبحت مصانع الألواح أكثر كفاءة في تقليل استخدامها. ويبدو أن استهلاك الفضة لكل واط من الطاقة الشمسية المركبة هذا العام لا يتجاوز عشر ما كان عليه في 2011. ولسوء حظ المصنّعين، انخفضت أسعار الألواح بنسبة مماثلة، ما جعل المعادن الثمينة تُصبح مرة أخرى نفقات باهظة.
بالأسعار الحالية، تجاوزت الفضة الألومنيوم والزجاج في الإطارات والبولي سيليكون الذي يُولّد الطاقة، لتصبح أكبر عنصر تكلفة في الألواح الشمسية، حيث تُشكّل نحو 17% من إجمالي الإنفاق، كما بينت ”بلومبرغ إن إي إف“.
ما زاد الطين بلة، أننا سنركب هذا العام عدداً من الألواح الشمسية يزيد بستة أضعاف تقريباً عن عدد الألواح التي سُوقت في عام 2019، ولن تكفي أي وفورات معقولة في الكفاءة لتعويض هذه الزيادة.
هناك أيضاً مجموعة كبيرة من التطبيقات الأخرى التي تتوق إلى مزيد من الفضة مع تحول العالم من الوقود الأحفوري إلى الطاقة الكهربائية. تحمل آلاف المفاتيح والموصلات والرقائق في أجهزتنا ومركباتنا كميات ضئيلةً جداً من الفضة. تستهلك السيارة التي تعمل بالبطارية ضعف ما تستهلكه السيارة التي تعمل بمحرك احتراق داخلي. حتى مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تستهلك حصتها.
مناجم تُستنزف وطلب يزيد
ستواجه الإمدادات صعوبة في مواكبة الطلب، إذ إن مكامن الفضة الشاسعة في جبال الأنديز وسييرا مادري، التي قادت الغزو الإسباني للأمريكيتين، تستنزف بشكل متزايد. في أكبر منجم يقتصر على الفضة، منجم شركة ”فريسنيلو“ (Fresnillo) المسمى باسمها في جنوب المكسيك، انخفض الإنتاج الذي بدأ بعد وفاة الفاتح هيرنان كورتيس عام 1554 بنحو الثلثين منذ عام 2010. وكما هو الحال مع كثير من مناجم ”فريسنيلو“ الأخرى التي تعتمد على الفضة فقط، قد لا يصمد هذا المنجم لأكثر من عقد.
يأتي نحو ثلاثة أرباع الفضة في العالم هذه الأيام كمنتج ثانوي من رواسب تنتج الزنك أو الرصاص أو النحاس أو الذهب. وهذه الإمدادات أيضاً تتعثر. بلغ تعدين الرصاص والزنك ذروته قبل عقد، عندما كانت بطاريات الرصاص الحمضية أكثر شيوعاً من بطاريات أيونات الليثيوم للدراجات الكهربائية، وكان الفولاذ المغلفن المستخدم في صناعة البناء في الصين مزدهراً.
انخفض إنتاج الفضة لدى شركة ”غلينكور“ (Glencore) بنحو النصف منذ عام 2016، تماشياً مع انخفاض إنتاج الرصاص والزنك. في أستراليا، قد يُغلق منجم كانينجتون التابع لشركة ”ساوث 32“ (South32)، الذي كان في السابق أكبر منجم رصاص وفضة في العالم، بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الماضي. أما منشأة بورت بيري، إحدى أكبر مصاهر الرصاص في العالم والمملوكة لشركة ”ترافيجورا بيهير“ (Trafigura Beheer)، فقد بدأت العمل الآن بفضل خطة إنقاذ من كانبيرا في وقت سابق من هذا العام.
كان أداء الفضة الأخير مدفوعاً بشكل كبير بالارتفاع المتوازي في أسعار الذهب، وسمعتها الراسخة كمعدن ثمين أرخص من الذهب. لكن حتى مع رحيل هؤلاء المضاربين، سنبقى في سوق يفوق فيه الطلب العرض لخمس سنوات متتالية.
قد تحتاج شركات التعدين إلى أسعار لا تقل عن 30 دولاراً للأونصة لمنع استمرار انخفاض الإنتاج. في مرحلة ما، سيسمح سحر الكفاءة الصناعية لاقتصادنا الكهربائي باستخدام الفضة بشكل أكثر ترشيداً. لكن راهناً، ستستمر هذه الطفرة مستمدة دفعها من الطاقة الشمسية.
كاتب في بلومبرغ أوبينيون متخصص في تغطية السلع الأساسية، إضافة إلى الشركات الصناعية والاستهلاكية. وقد عمل سابقًا كمراسل لبلومبرغ نيوز، وداو جونز، ووول ستريت جورنال، وفاينانشال تايمز، والجارديان.
