تقييد صيني يجعل إنتاج الألمنيوم يتجه نحو تفاوت سلبي عن الطلب.. والحل قد يكون إندونيسياً
الصين تضع سقفاً للإنتاج بعد أن كانت المصدر الرئيسي لواردات العالم من الألمنيوم
إندونيسيا لديها مقومات تجعلها مؤهلة لدخول الإنتاج بقوة تكفي لدرء شح المعدن الخفيف
الخلاصة
الألمنيوم معدن أساسي في الاقتصاد العالمي ويشهد ارتفاعاً في الأسعار، مع هيمنة الصين التي تنتج 60% من الإنتاج العالمي. تواجه الصناعة تحديات بسبب ارتفاع تكاليف الكهرباء وتقييد الإنتاج في الصين، بينما تسعى الشركات الصينية لتوسيع الإنتاج في إندونيسيا. السوق مقبلة على أزمة محتملة بين نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار أو زيادة الاعتماد على الصين.
*ملخص بالذكاء الاصطناعي. تحقق من السياق في النص الأصلي.
يفتقر الألمنيوم إلى حيوية النحاس والجاذبية الجيوسياسية للمعادن النادرة، ومع ذلك فهو معدن اللحظة. الألمنيوم أساس في الحياة العصرية والاقتصاد العالمي، وهو يدخل الآن مرحلةً حاسمةً، فإما أن ينزلق العالم نحو أزمة إمدادات، أو نحو هيمنة أكبر للصين. أو كلا الأمرين، وهذا احتمال مؤرق.
الخلفية مقلقة، إذ يُتداول الألمنيوم عند أعلى مستوى له في ثلاث سنوات، عند نحو 2900 دولار للطن. ورغم أنه لا يزال بعيداً عن الرقم القياسي، إلا أن سعره الحالي مرتفع تاريخياً، ويقترب من الحد الأعلى بنسبة 5% لنطاق الأسعار بين عامي 1990 و2025. وإذا نظرنا إلى المتوسطات السنوية، نجد أن هذا العام يتجه نحو رابع أعلى مستوى على الإطلاق. المتوسط السنوي لأسعار الألمنيوم يتجه هذا العام نحو رابع أعلى مستوى له منذ عام 1990.
مع تركيز القادة السياسيين على النحاس ومعادن مثل الجرمانيوم والمعادن الأرضية النادرة، نادراً ما يتصدر الألمنيوم عناوين الأخبار. مع ذلك، فهو بالغ الأهمية للاقتصاد العالمي. تعتمد عليه الطائرات وهواتف "آيفون" وإطارات النوافذ وعلب المشروبات الغازية والسيارات الكهربائية والأجهزة المنزلية.
لا يمكن للمرء أن يتخيل أي تحول كهربائي آخر في غياب هذا المعدن الرمادي. مع قيمة استهلاك سنوية تقارب 300 مليار دولار، يأتي الألمنيوم في قمة المعادن غير الحديدية، ولا يفوقه إلا الفولاذ، وهو حديدي.
ما المعادن النادرة الثمينة؟
مُقارنةً بالسلع الأخرى، تتوافر مركبات الألمنيوم، مثل البوكسيت، بكثرة في قشرة الأرض. لكن إنتاج هذا المعدن في شكله النقي كان عملية معقدة ومكلفة جداً، لدرجة أنه كان يُعتبر حتى قرن مضى معدناً ثميناً.
كان نابليون بونابرت يحتفظ بأدوات مائدة مصنوعة من الألمنيوم لأهم ضيوفه، وعندما اكتمل بناء نصب واشنطن التذكاري عام 1884 في العاصمة الأمريكية، عُلِّق بهرم من الألمنيوم وزنه 100 أونصة؛ وفي ذلك الوقت كان أغلى من الفضة. بعد عامين فقط، جاء اختراع نظام تكرير جديد، وأصبح الألمنيوم شائعاً.
ومع ذلك، هناك مشكلة، إذ إن إنتاج الألمنيوم عملية تستهلك الكهرباء بشراهة، لدرجة أن هذا المعدن يُعرف غالباً باسم "الكهرباء الصلبة". تحتاج المصاهر إلى نفس كمية الكهرباء التي تستهلكها خمسة منازل ألمانية في عام واحد لإنتاج طن واحد من الألمنيوم.
الصين تستحوذ على 60% من إنتاج العالم من الألمنيوم
ما العمل مع تقييد الحزب الحاكم لإنتاج المعدن الخفيف؟ عند إدخال الصين إلى المعادلة، نجد أنه بفضل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، لدى العملاق الآسيوي الكهرباء الرخيصة اللازمة لإنتاج كميات هائلة من الألمنيوم. وهكذا، على مدى السنوات الخمسة والعشرين الماضية، لبّت بكين بمفردها الطلب العالمي المتزايد على المعدن، الذي يتجاوز الآن 100 مليون طن بقليل.
كم تنتج الصين من الألمنيوم؟
في العام الماضي، أنتجت الصين ما يزيد قليلاً على 43 مليون طن من الألمنيوم المنتج من التعدين، بزيادة عن 6 ملايين طن قبل عقدين ونصف. لكن توسعها يُوشك على الانتهاء. قبل بضع سنوات، حدد الحزب الشيوعي إنتاج مصاهره المحلية عند 45 مليون طن، وفي عام 2025، سيتجاوز الإنتاج المحلي السقف لأول مرة. وبحلول العام المقبل، سيصل إليه. ما سيأتي بعد ذلك مهم جداً.
الوضع يضم جميع العناصر المؤدية إلى أزمة. أولاً، لا يزال الطلب قوياً، إذ يرتفع كل عام بنحو 2 إلى 3 ملايين طن. ثانياً، يُعاني الإنتاج -ولا سيما في أوروبا- بسبب ارتفاع تكلفة الكهرباء ورغم ارتفاع أسعار الألمنيوم، تغلق مصاهر في كثير من البلدان أبوابها مع انتهاء عقود الكهرباء الرخيصة طويلة الأجل. ثالثاً، المخزونات العالمية منخفضة تاريخياً. رابعاً، مع بلوغ أسعار النحاس أعلى مستوياتها على الإطلاق، ثمة حافز واضح لاستبدال المعدن الأحمر بالألمنيوم كلما أمكن ذلك.
ما لم يتوافر عرض متزايد من جهة ما أو تقلل أزمة اقتصادية الاستهلاك، فلا بد من حدوث أمر ما. السوق مُنقسمة بشدة. إذ يرى من يعتقدون صعود الأسعار أن الألمنيوم سيدخل في عجز هيكلي، مع ارتفاع الأسعار نحو مستوى قياسي يبلغ 4 آلاف دولار في غضون عامين؛ بينما يتوقع الذين يترقبون الهبوط أن تتمكن الشركات الصينية من إنتاج المزيد، وأن ينخفض سعر الألمنيوم في النهاية.
إنتاج الصين من الألمنيوم يقترب من الحد الأقصى الذي التزمت به، ما يترك العالم أمام تحدي تأمين نمو الإمدادات
المفتاح هو إندونيسيا، حيث تقوم كبرى الشركات الصينية الآن ببناء المصاهر التي لا يمكنها بناؤها محليا بسبب الحد الأقصى. بفضل وفرة الفحم ورخص الأيدي العاملة ووفرة خامات الألمنيوم، وقلة الاهتمام بسياسات المناخ، أصبحت إندونيسيا الآن موقع بناء لشركات مثل مجموعة "تسينجشان هولدينج" Tsingshan Holding ومجموعة "تشاينا هونجتشاو" China Hongqiao وشركة "شاندونج نانشان ألمنيوم" Shandong Nanshan Aluminum. يُشبه هذا خطوة صينية في سوق النيكل قبل عقد حوّلت إندونيسيا إلى منتج رئيسي.
إذا دخلت جميع المصاهر الجديدة مرحلةً الإنتاج، فقد يرتفع الإنتاج الإندونيسي بنحو خمسة أضعاف بحلول عام 2030، ما يحول البلاد إلى رابع أكبر منتج في العالم، بعد الصين والهند وروسيا فقط، ويحافظ على وفرة في إمدادات السوق العالمية.
علاوةً على ذلك، تبنّي الشركات الصينية أيضاً مصاهر ألمنيوم في أنجولا، باستخدام الطاقة الكهرومائية كمصدر للكهرباء. لكن الأداء السابق مع النيكل لا يضمن نتائج مستقبلية في الألمنيوم.
ما العوائق أمام الخطة الإندونيسية؟
أولاً، يبدو أن تكلفة بناء مصهر ألمنيوم في إندونيسيا أعلى منها في الصين، ما يبطئ التوسع. كما أن الشركات الصينية لا تدخل إلى إندونيسيا تقدماً تقنياً يغير علم تعدين الألمنيوم بنفس الطريقة التي أدخلته بها على النيكل. واضح أن إندونيسيا ستصبح مورداً مهماً، لكن ليس مؤكداً أنها وحدها قادرة على تعويض الدور الذي لعبته الصين منذ عام 2000 في تحقيق توازن السوق.
بالنسبة إلى من يتوقعون ارتفاع الأسعار، يكمن الخطر الأكبر في تراجع بكين ورفعها للسقف، أو إيجاد ثغرات كافية. على سبيل المثال، يمكن للصين استبعاد المصاهر التي تعمل بالكهرباء النظيفة، ومن ذلك التي تستخدم الطاقة الكهرومائية، من السقف. أو يمكنها السماح للمصانع القائمة بالعمل بكفاءة أكبر، ما يزيد تدفقات الكهرباء دون توسيع خطوط الإنتاج فعلياً.
يواجه العالم نتيجة ثنائية: إما ارتفاع أسعار الألمنيوم، ما يؤثر سلباً في الاقتصاد العالمي، أو زيادة الاعتماد على الشركات الصينية. وربما تكون هناك نتيجة ثالثة- وهي النتيجة التي أعتقد أنها الأكثر ترجيحاً: أن تصبح أسعار الألمنيوم أعلى، لكن ربما ليس بالقدر الذي يراهن عليه من يتوقعون ارتفاع الأسعار، في حين يزيد الإنتاج الصيني عبر إندونيسيا، لكن ليس بالقدر الذي يأمله من يتوقعون أسعاراً منخفضة.
كاتب عمود في مجال الطاقة والسلع في بلومبرغ
خاص بـ: "بلومبرغ"
