فاجأ رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول عديدا من مراقبي السوق يوم الأربعاء عندما أعلن أن خفضًا آخر لأسعار الفائدة في ديسمبر ليس أمرًا محسومًا. ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو إشارته الواضحة إلى أنه إذا كان الهدف هو دعم سوق العمل، فقد لا تكون تخفيضات أسعار الفائدة مفيدة للغاية.
في المؤتمر الصحافي الذي أعقب خفض البنك المركزي نطاق سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفيدرالية بمقدار 25 نقطة أساس، ذكر باول عدة أسباب تجعل خطوة مماثلة في ديسمبر "بعيدة كل البعد" عن أن تكون محسومة. وشملت هذه الأسباب وجود آراء "مختلفة تمامًا" بين واضعي أسعار الفائدة، ومحدودية البيانات المتاحة بسبب إغلاق الحكومة، وارتفاع التضخم فوق المستوى المستهدف، والشكوك حول مدى سرعة تباطؤ سوق العمل. كما أشار إلى أن السياسة النقدية قد تكون قريبة من الحياد بعد تخفيضات بلغت 150 نقطة أساس. لكن ربما كان السبب الأكثر أهمية هو الأبسط: تخفيض أسعار الفائدة لن ينجح. على الأقل، لن يعالج ذلك المشكلة الحالية، وهي دعم سوق العمل الذي يشهد تباطؤًا.
وفي إشارة إلى ذلك، اعترف باول بأن سوق العمل تضعف في المقام الأول بسبب انكماش المعروض من العمالة بدلاً من تراجع الطلب على العمال. لكن خفض تكاليف الاقتراض مصمم لزيادة الطلب على العمال. إذا كانت مشكلات سوق العمل "في الغالب" ناتجة عن نقص المعروض من العمالة، كما قال باول، فإن خفض أسعار الفائدة يشبه محاولة دفع حبل.
وقال باول للصحفيين: "لذا فإن السؤال هو ما الذي تفعله أداتنا، والتي تدعم الطلب؟ يجادل البعض بأن هذه مشكلة عرض، ولا يمكننا التأثير فيها كثيرًا بأدواتنا. لكن آخرين يجادلون، كما أفعل أنا، بأنه يجب علينا استخدام أدواتنا لدعم سوق العمل عندما نرى هذا يحدث".
"إنه وضع معقد".
اقتصاد على شكل حرف "K"
إن الصورة الاقتصادية الأمريكية الحالية معقدة بالفعل.
تباطأ نمو الوظائف في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، لكن هذا قابله انخفاض حاد في عدد الأشخاص الباحثين عن عمل. وهذا نتيجة لتشديد ضوابط الهجرة، وزيادة عمليات الترحيل، وخروج الشباب والمتقاعدين من القوى العاملة. في آخر تقرير رسمي شهري عن الوظائف، الذي صدر لشهر أغسطس، ارتفع معدل البطالة إلى أعلى مستوى له منذ أربع سنوات بنسبة 4.3%. لكن هذه الزيادة لا تتجاوز عُشر نقطة مئوية واحدة مقارنةً بالعام السابق، ولا يزال المعدل منخفضًا للغاية وفقًا للمعايير التاريخية.
كما قال باول إنه لا يوجد دليل على تدهور مقلق في سوق العمل بشكل عام، على الرغم من أن الإعلان الأخير عن بعض عمليات التسريح الجماعي في شركات كبرى قد يشير إلى عكس ذلك.
في الوقت نفسه، لا تزال المؤشرات الاقتصادية مثل استثمارات الشركات ومبيعات التجزئة تبدو جيدة نسبيًا. ويرتبط كلاهما ارتباطًا وثيقًا بسوق الأسهم المزدهرة - حيث تمول أسعار أسهم الشركات الكبرى وأرباحها المتزايدة نفقاتها الرأسمالية، ويستمر أغنى 10% من السكان الذين يمتلكون الأصول في المساهمة بنحو نصف إجمالي الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة.
ما يبدو أننا نراه يتشكل هو ما يسمى بالاقتصاد "على شكل حرف K": الأغنياء يزدادون ثراءً من ازدهار أسعار الأصول، بينما يعاني الباقون. هذا التوازن الغريب جديد بالنسبة إلى الاحتياطي الفيدرالي، ومن الصعب التعامل معه، خاصةً مع إغلاق الحكومة الذي يقلل من وضوح الرؤية بشكل أكبر.
وكما أن أداة سعر الفائدة المباشرة للاحتياطي الفيدرالي لا تُصلح مشكلات جانب العرض في سوق العمل، فقد لا تُقدم الكثير لدعم الأسر والأفراد ذوي الدخل المنخفض أيضًا، على الرغم من أن ضمان سوق عمل أقوى هو "أفضل شيء" يمكن للاحتياطي الفيدرالي القيام به للشعب الأمريكي.
من المرجح أيضًا أن تستفيد الفئات الأكثر ثراءً من انخفاض تكلفة الاقتراض من خلال زيادة تضخم أسعار الأصول بشكل أكبر، ما قد يدفع التقييمات المرتفعة بالفعل إلى مستويات غير مستدامة.
ستة أسابيع فترة طويلة، لكن خفض سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي في ديسمبر أصبح فجأة محل شك. إذا كان ما قاله باول في مؤتمره الصحافي يُشير إلى أي شيء، فقد يكون ذلك في مصلحة الجميع.
كاتب اقتصادي ومحلل مالي في وكالة رويترز
