الاقتصادية - الموقع الرسمي لأخبار الاقتصاد والأسواق | الاقتصادية

الأحد, 16 نوفمبر 2025 | 25 جُمَادَى الْأُولَى 1447
Logo
شركة الاتحاد التعاوني للتأمين9.22
(-3.76%) -0.36
مجموعة تداول السعودية القابضة190
(-0.16%) -0.30
الشركة التعاونية للتأمين129.8
(-1.67%) -2.20
شركة الخدمات التجارية العربية107
(-0.09%) -0.10
شركة دراية المالية5.48
(-2.84%) -0.16
شركة اليمامة للحديد والصلب36.34
(-3.71%) -1.40
البنك العربي الوطني22.43
(0.09%) 0.02
شركة موبي الصناعية10.8
(-4.42%) -0.50
شركة البنى التحتية المستدامة القابضة32.56
(-2.22%) -0.74
شركة إتحاد مصانع الأسلاك22.7
(-0.44%) -0.10
بنك البلاد27.4
(-2.42%) -0.68
شركة أملاك العالمية للتمويل12.38
(-2.13%) -0.27
شركة المنجم للأغذية54.05
(-1.73%) -0.95
صندوق البلاد للأسهم الصينية12.54
(-0.63%) -0.08
الشركة السعودية للصناعات الأساسية56.5
(-0.70%) -0.40
شركة سابك للمغذيات الزراعية118.8
(-0.67%) -0.80
شركة الحمادي القابضة29.76
(-2.17%) -0.66
شركة الوطنية للتأمين13.76
(-2.41%) -0.34
أرامكو السعودية25.58
(-1.08%) -0.28
شركة الأميانت العربية السعودية18.36
(-1.61%) -0.30
البنك الأهلي السعودي37.8
(-1.31%) -0.50
شركة ينبع الوطنية للبتروكيماويات30.96
(-2.21%) -0.70


 بكر عبداللطيف الهبوب

اللغة ليست مجرد أداةٍ للنطق أو وسيلة للتواصل، بل هي منظومة متكاملة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية، والسيادة، والإنتاج المعرفي والاقتصادي. عبر التاريخ، لم تصمد اللغات وتزدهر إلا عندما تحولت من مجرد شغف متحدثيها إلى أدوات فعلية للحكم، والإدارة، وإنتاج المعرفة، والاقتصاد.

نشأت اللغة العربية الفصحى في الجزيرة العربية، متكئةً على إرث لغوي غنيٍّ، وأصبحت لغة هوية متكاملة مع بزوغ الوحي ونزول القرآن الكريم. ثم ارتقت عالمياً بمخزون حضاري عريق منذ قرار الخليفة عبدالملك بن مروان في تعريب الدواوين عام 81هـ، في علامةٍ فارقةٍ جعلت العربية لغة الإدارة والمال والحكم. تلا ذلك عصر ازدهار علمي مع تأسيس "بيت الحكمة" في عهد المأمون، حيث تحولت العربية من مجرد لغة ترجمة إلى لغة تأليف وتعليم وإنتاج علمي، محققةً ذروةً حضاريةً جعلت المستشرق الفرنسي غيوم بوستل يقول في 1539 "إتقان العربية يعني التواصل مع العالم بأسره"، في حين أشار ابن بطوطة إلى أنه لم يحتج إلى مترجم في رحلاته، على عكس ماركو بولو الذي اضطر لتعلمها لتسهيل تجارته.

أما الإنجليزية، فقد تطورت عبر قرون من مزيج لهجاتٍ متعددةٍ، وتأثرت بالفرنسية واللاتينية عقب الغزو النورماندي، حتى أصبحت لغة القانون والإدارة، ثم تحولت في العصر الحديث إلى لغة الاقتصاد الرقمي والقانون الدولي والبحث العلمي. وقد نجحت الإنجليزية في ترسيخ مكانتها العالمية ليس فقط بفضل قوة المتحدثين بها، بل بفعل سياساتٍ لغويةٍ نشطةٍ، وتعليم منظّم، واستثمار ضخم في الترجمة والإنتاج المعرفي.

لا تبقى اللغات حيةً دون إنتاج مستمر وحضور مؤسسي قوي. فاللاتينية واليونانية، اللتان انتقلتا من لغات للفكر والفن والكنيسة إلى لغات متحف وصوامع، لم تعد حاضرة في مسرح الحضارة بسبب غيابها عن مواكبة التقدم العلمي والإداري. وهو ذات السبب الذي عَزَلَ العربية عندما اختارت الدولة العثمانية اللغة التركية لغة الحكم والإدارة، وزاد الاستعمار من عزلتها. إنَّ الحنين للماضي لا يصنع لغاتٍ حيةً، بل تصنعها المؤسسات الفاعلة والسياسات المستمرة.

في مواجهة هذا التحدي، أُنشئ مجمع اللغة العربية السوري 1919، ليكون أول مجمع لغوي بعد انتهاء الحكم العثماني والاستعمار الفرنسي، وكان له دور في دعم تدريس الطب باللغة العربية 1923، لكن ذلك عاصر تحدياتٍ تمثلت في مواكبة المستجدات العلمية والطبية. لذا فإن نهضة الأمم لا تعتمد على مجرد الترجمة للعلوم، بل بالمبادرة إلى رفع الإنتاج والمنافسة باللغة الوطنية.

فقد كان "بيت الحكمة" مصنعًا لإنتاج المعرفة بالترجمة والتأليف بأسلوب عربي أصيل. واليوم، تعتمد الصين واليابان منهج الترجمة المنهجية والمراجعة اللغوية الدقيقة قبل تدريس أي محتوى علمي، مع المحافظة على تعليم اللغة الإنجليزية كلغة أساسية، ما ساعد على إبقاء لغتهما أداة نهضة.

 ومن هنا، تواجه الإنجليزية تحديات من صعود لغات مثل الصينية والهندية في مجالات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد المعرفي، ما يؤكد أن اللغة تحتاج لتجديد مستمر لتبقى فاعلة.

ويلعب التشريع دورًا بارزًا في حماية اللغة، ففي فرنسا كان القانون الصارم لحماية الفرنسية ناجحًا لأن مؤسسات الثقافة، والصناعة، والتكنولوجيا دعمت اللغة بشكل واسع حيث لا تزال الفرنسية -رغم همينة الإنجليزية- حيّةً ومتطورةً. فاللغة ليست مجرد هوية ثقافية، بل أداة استقلال وسيادة. إن مستقبل العربية لا يُصنع بمجرد نصوص تشريعية صامتة، بل يحتاج مشروعًا متكاملًا يبدأ بتشريع لغوي حقيقي يجعلها اللغة الرسمية في الإدارة والتعليم العالي والتقنية.

 ويتطلب ذلك حركة ترجمة مؤسسية منهجية، اقتصادًا رقميًا عربيًا يستثمر في المحتوى، وتعليمًا عاليًا ينتج ويُترجم ويُصدر بالعربية.

إن التوازن بين العربية والإنجليزية ضرورةٌ لا يمكن تجاهلها، فالإنجليزية لغة العبور إلى العالم، لكنها يجب ألا تكون بديلًا عن العربية، التي هي لغة الهوية والسيادة. تُظهر تجارب الأمم أن النجاح في الحفاظ على اللغة الأم وتعزيز سيادتها التقنية والصناعية لا يكون بفصل اللغة عن العلم والتقنية، ولا بالعزلة عن العالم، بل بالتوازن الذكي بين الحفاظ على هوية لغوية قوية والانفتاح على العلوم العالمية بأساليب ترجمة وإنتاج معارف متجددة، مع دعم تشريعي ومؤسساتي متكامل.

إن هيمنة الإنجليزية ليست صدفةً، بل نتاج حجم إنتاجها المعرفي والاقتصادي، واستخدامها الفعلي في مختلف المجالات. أما العربية فهي اليوم في وضع دفاعي، يتطلب الانتقال إلى وضع بناء وإنتاج حضاري.

 إن صناعة المستقبل الحضاري للغات ليست معركة حنين أو حماية شكلية، بل هي معركة إنتاج مستمرة، مؤسسات فاعلة، وسياسات واعية. فالتاريخ يشهد بأن علو الأمم ورفعتها يكون بلسان حضارتها الذي يستعرض النهوض الاقتصادي والمعرفي بلغة تحمل هوية السيادة الوطنية.

مستشار قانوني

للإشتراك في النشرة
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من الاقتصادية