يصعب النظر اقتصادياً إلى العام الجاري الذي ينتهي بعد أيام، إلا من خلال ما يمكن وصفه بـ "الاضطراب التجاري". شهد حروباً تجارية هنا، ومعارك في القطاع نفسه هناك، بعضها شديد "العنف" والبعض الأكثر يظل عنيفاً. ولا يوجد اقتصاد في العالم، إلا ونالته المواجهات التجارية منه. حتى الحلفاء لم تعد هذه الصفة تنطبق عليهم، وكل ما جرى (ولا يزال يجري)، أن الرسوم الجمركية المرتفعة ستظل موجودة في الميدان في العام المقبل، وربما أخذت أشكالاً "متطرفة".
إذا ما قررت الأطراف المعنية المواجهة حتى النهاية. هذه الرسوم، التي جاءت مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، أربكت المشهد التجاري العالمي، الذي لم يكن صحياً تماماً. فقد كانت الحمائية سائدة، ولكن بصورة أقل "عنفاً"، مع إبقاء الأبواب مفتوحة في وجه التفاهمات.
صحيح أن التعريفات الجمركية التي فرضها ترمب تدر أموالاً كبيرة للخزانة العامة، بلغت منذ مطلع 2025 ما يقرب من 30 مليار دولار، لكنها تطرح إشكاليات أيضاً كبيرة على الساحة المحلية الأمريكية، التي تعاني من ارتفاع الأسعار، وخصوصاً المواد المستخدمة في التصنيع، الذي يسعى رئيس الولايات المتحدة لدعمه! فمتوسط الرسوم ارتفع هذا العام إلى 17%، من 3% بالعام 2024، ووصلت إلى مستويات لا أحد توقعها على سلع من بلدان محددة، ولا سيما تلك الآتية من الصين، هذا البلد الذي تمكن من عقد اتفاق هو أقرب إلى الهدنة مع واشنطن، وكذلك الأمر مع بلدان أخرى تعد حليفة الولايات المتحدة.
النقطة الأهم الآن هي تلك التي تتعلق بوضعية التجارة العالمية في السنة الجديدة. لا أحد يعرف حقيقة مصير التعريفات الأمريكية التي بات في أيدي المحكمة العليا في البلاد، بعد سلسلة من القرارات القضائية التي نزعت الشرعية عن قرارات ترمب التجارية عموماً. هذا الأخير، متمسك بقوة بتعريفاته، ويدفع بأن أي إلغاء لها سيصيب الولايات المتحدة بخسائر تتجاوز 3 تريليونات دولار. بالطبع أغلب المختصين يعدون أن ذلك ليس سوى مبالغة غير "مهضومة"، إلا أن رئيس البلاد، حقق بالفعل أهدافاً مهمة، ترتبط بإسراع عدد من البلدان ذات الاقتصادات الدولية المؤثرة، لعقد اتفاقات مع واشنطن لتخفيض التعريفات، لكن ذلك ارتبط بصورة مباشرة في رفع حجم استثمارات هذه البلدان في الولايات المتحدة، وهذا واحد من أهم أهداف إدارة ترمب، حتى قبل أن تصل إلى الحكم.
في الأشهر الأولى من العام المقبل، سيظل الحال على ما هو عليه بالطبع، إلا إذا تبدلت الأمور استناداً إلى أحكام قضائية غير متضاربة مع توجهات البيت الأبيض. حتى الآن، هناك نوع من التكيف مع الرسوم الأمريكية الحالية بعد اتفاقات مهمة لكنها تتسم بالهشاشة. وليس مضموناً أن تظل الأمور على هذه الوتيرة لفترات طويلة، ما يترك الساحة التجارية مفتوحة لكل الاحتمالات، بما فيها عودة "المعارك" مجدداً، وربما بصورة أكثر عنفاً.
كاتب اقتصادي
