تكتسب زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء إلى الولايات المتحدة الأمريكية أهمية قصوى في سياق يشهده الاقتصاد العالمي من تحولات جيوسياسية وجيواقتصادية عميقة، حيث لا تُعد الزيارة مجرد مناسبة دبلوماسية رفيعة المستوى، بل هي لحظة محورية لإعادة تعريف وتعميق الشراكات الإستراتيجية والاقتصادية التي تربط البلدين منذ أكثر من 8 عقود.
تعود جذور العلاقة الاقتصادية السعودية - الأمريكية إلى بداية القرن الماضي، وتحديدا منذ منح حق التنقيب عن النفط لشركة أمريكية 1933 ولقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس فرانكلين روزفلت 1945، الذي أسس نموذج التعاون المشترك.
في العصر الحالي، تؤسس السعودية لمرحلة تتجاوز حدود الطاقة التقليدية والدفاع إلى بناء نموذج قائم على علاقات متكافئة اقتصادياً وإستراتيجياً، لتُبرز الجذور التاريخية للعلاقة.
تُعد الولايات المتحدة الأمريكية شريكاً حيوياً للسعودية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري (السلع والخدمات) بين البلدين خلال العقد الأخير نحو 1.340 تريليون ريال سعودي. كما أن تزايد عدد الشركات الأمريكية إلى 1300 شركة مع تركيز نوعي في التكنولوجيا والمال، يُبرز نجاحاً إستراتيجيا تراكمياً لـ"رؤية السعودية 2030" في تحقيق هدفين أساسيين: الأول: فك الارتباط الأحادي من الاعتماد على النفط كمحرك وحيد للعلاقة، واستبداله بالتكنولوجيا ورأس المال.
والثاني: هو ربط الاقتصاد الأمريكي الجديد (التقني والمالي) بالتحول السعودي، ما يضمن استمرارية الدعم الجيواقتصادي على المدى الطويل بين البلدين في ظل المنافسة العالمية، وهذا يُبرز انتقال العلاقة من "شراكة نفطية" إلى "شراكة استثمارية موسعة" بدليل أن عدد المقار الإقليمية للشركات الأمريكية في السعودية تجاوزت أكثر من 200 مقر إقليمي، أي 4.15% من إجمالي عدد الشركات الأمريكية.
إن تضاعف عدد الشركات نحو 462 شركة في 2017 إلى ما وصلت إليه اليوم، دليل واضح على أن أهداف البلدين تلتقي في منطقة مشتركة تدعم اقتصادهما وتسهم في برامج التنويع الاقتصادي للسعودية.
السعودية من جانب آخر يمكنها أن تقوم بدور الممول للشركات الأمريكية التي تدخل في الاقتصاد السعودي وتتحول وبشكل متزايد إلى شراكة لتأمين جولات التمويل المختلفة. ومع تشكيل طابع مؤسسي مبني على الثقة بين الكيانات الاقتصادية في البلدين، تصبح العلاقة أكثر مناعة ضد التقلبات السياسية قصيرة المدى. وبينما كان صندوق الاستثمارات العامة السعودي يركز على الأصول التقليدية، فإن المستقبل الذي ترسخه هذه الزيارة يتمثل في تحويله إلى محفز سيادي عالمي يستثمر بنشاط في الأصول الخاصة والإستراتيجية، وبالتالي إعادة هيكلة سلاسل القيمة المضافة في المنطقة لترسيخ مكانة السعودية كمركز آمن ومحور لوجستي يربط الشرق والغرب.
نحن أمام حقبة جديدة من الشراكة الاقتصادية التي تسهم في تحقيق مزيد من المرونة على مستوى التجارة العالمية للبلدين ومواجهة التهديدات.
في الختام، إن الآثار المستقبلية لزيارة ولي العهد إلى واشنطن لا تقتصر على بضع سنوات، بل تشكل مسارات جيواقتصادية وإستراتيجية قد تمتد لعقود، معيدة تشكيل الهيكل الاقتصادي للسعودية ودورها في النظام العالمي من منظور الرصانة الجيواقتصادية.
مستشار اقتصادي متخصص في السياسات الاقتصادية وإدارة إستراتيجيات الأعمال
