محمد كركوتي
في زحمة المشهد الاقتصادي العالمي المرتبك، لأسباب عديدة، تتأثر بشدة الاستثمارات المباشرة على المستوى الدولي. وهذا يبدو طبيعياً، إذا ما أخذنا في الاعتبار، آثار حملة التعريفات الأمريكية، التي لم تصل إلى نهاية لها بعد، وبالطبع عدم اليقين الذي يسود المشهد العام، إلى جانب التوترات الجيوسياسية التي هي أيضاً لا مؤشر يدل على إمكانية أن تهدأ في المرحلة المقبلة.
هناك عوامل محلية أخرى تخص البلدان التي تصدر هذه الاستثمارات، ما دفعها إلى التراجع. الانخفاض لم يبدأ في الواقع قبل 3 سنوات تقريباً، للأسباب نفسها، إلا أنه صار أكثر عمقاً في العام الحالي، مع توقعات بأن يستمر في السنوات القليلة المقبلة، إذا لم تحدث تحولات مطمئنة، للأطراف المعنية بهذه المسألة.
هذا التراجع ظهر بوضوح في الاقتصادات المتقدمة، إلى جانب اقتصاد منطقة اليورو، إلا أنه في العامين الماضيين، حقق نمواً كبيراً في القارة الإفريقية، التي تسعى دولها إلى توفير تطوير البيئة الجاذبة للاستثمارات المباشرة. ففي الوقت الذي تراجعت فيه بأوروبا بنسبة 58%، وبالاقتصادات المتقدمة 22%، حققت ارتفاعاً كبيراً للغاية في القارة السمراء عند 75%.
لكن في الاقتصادات النامية جاء الارتفاع متواضعاً بلغ 0.2%، مقارنة بالتدفقات الاستثمارية في السنوات الماضية. وهذا أيضاً يعد مؤشراً سلبياً في بلدان تتمتع عادة بهذه بتدفقات متزايدة، مع تسهيلات تمنحها الاقتصادات المشار إليها، لكل الجهات الاستثمارية في العالم. وعموماً، يبدو المشهد مضطرباً على المستوى العالمي في السنوات المقبلة.
وإذا كانت البلدان المتقدمة قادرة على تحمل التراجع في الاستثمارات لفترات طويلة، غير أن الأمر ليس كذلك على مستوى الدول النامية. ففي العقدين الماضيين، أسهمت الاستثمارات المباشرة في تحسين ظروف معيشة الناس في هذه الدول، بما فيها الصين، التي كانت تحقق نمواً اقتصادياً هو الأعلى عالمياً، ما يبرر تحذيرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، بأن مناخ الاستثمار العالمي سيظل يواجه تحديات حتى نهاية العام الجاري على الأقل.
فالمسألة لا ترتبط فقط بعدم اليقين والتوترات الجيوسياسية، وخوف المستثمرين من ضخ الأموال في مناطق تحيط بها الأزمات الخارجية، بل تشمل أيضاً تجزؤ الاقتصاد العالمي. السياسات المتبعة الآن، تعمق هذا التجزؤ، ما سيرفع من التحديات أكثر أمام الاستثمار المباشر في الفترة المقبلة.
ويبدو واضحاً أن العام المقبل لن يكون أفضل في هذا الميدان من الأعوام الثلاثة الماضية. كل الأسباب الكابحة للاستثمار ستظل حاضرة على الساحة ربما لوقت لن يكون قصيراً.
كاتب اقتصادي
