فرانسيسكا سباغنولي و نويمي كاياتسو وأليكس تشونيت وجيرون ديجيريكس وصوفي بونتيمبس
هل جال بخاطرك يوماً وتساءلت كيف يمكن للأقمار الصناعية التي تدور على بعد آلاف الكيلومترات فوق الأرض أن تساعد المزارعين على إنتاج مزيد من الغذاء؟ فمِن رسم خرائط استخدام الأراضي وتتبع نمو المحاصيل، إلى التنبؤ بالآثار المناخية وإنتاجية المزارع، توفر التقنيات المعتمدة على بيانات رصد الأرض دعماً كبيراً لجهود التنمية، وتتيح فرصاً غير مسبوقة لتعزيز الأمن الغذائي والاستدامة والقدرة على الصمود. وكانت هذه مجرد أمثلة على التحديات التي نوقشت في ورشة عمل "ورشة العمل الخاصة باستخدام التكنولوجيا الفضائية لرصد الأرض من أجل البيانات الزراعية” والتي عُقدت في المقر الفرعي لوكالة الفضاء الأوروبية بمدينة "فراسكاتي" الإيطالية.
على مدى 3 أيام، ناقش 24 مشاركاً من مؤسسات عالمية ووطنية رائدة يمثلون 12 بلداً في 3 مناطق في أفريقيا كيفية تطبيق بيانات الأقمار الصناعية وابتكارات التكنولوجيا الجغرافية المكانية في مجال الزراعة. وجمع هذا التنوع الكبير من المهنيين ثروة من الرؤى والخبرات، تجمعها رسالة مشتركة: تسخير بيانات رصد الأرض والبيانات الزراعية الميدانية لدفع عجلة التنمية المستدامة في إفريقيا. وركز النقاش بشكل خاص على التحديات التي لا تزال قائمة أمام توسيع نطاق هذه الحلول، وكيفية ضمان عودة هذه التكنولوجيا بالنفع المباشر على المزارعين وواضعي السياسات.
وشارك في تنظيم هذه الفعالية أكاديمية البيانات التابعة لمجموعة البنك الدولي، ومركز بيانات التنمية، ومبادرة 50×2030، ووكالة الفضاء الأوروبية من خلال برنامج المساعدة الإنمائية العالمية التابع لها.
لماذا يعد دمج تكنولوجيا رصد الأرض مع بيانات المسوح الزراعية الميدانية تحولاً جذرياً في مجال الزراعة؟
تخيل لو توافرت القدرة على مراقبة المحاصيل، والتنبؤ بموجات الجفاف، وتخطيط الإجراءات التدخلية، وكان كل ذلك من الفضاء. هذه هي القدرات التي توفرها هذه التكنولوجيا، إذ تتيح الجمع بين صور الأقمار الصناعية وبيانات المسوح الميدانية للحصول على رؤية شاملة وفورية لما يحدث في الحقول. ففي إفريقيا، على سبيل المثال، حيث الزراعة هي العمود الفقري للاقتصاد وسبل كسب العيش، يمثل هذا الدمج تغييراً جذرياً، حيث يعني زيادة الإنتاجية، وتعزيز الأمن الغذائي، وتوفير مزيد من فرص العمل، لا سيما للشباب وسكان المجتمعات الريفية.
وأكدت مشاركة خبراء من المؤسسات الدولية التي تتخذ من روما مقراً لها (كان من بين المشاركين خبراء من منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية) في ورشة العمل على أهمية هذه الجهود ليس فقط لإفريقيا، بل كنموذج يمكن تطبيقه في مناطق أخرى.
واحتل برنامج المساعدة الإنمائية العالمية التابع لوكالة الفضاء الأوروبية مركز الصدارة، حيث عرض كيف يمكن لبيانات رصد الأرض بواسطة الأقمار الصناعية أن تسهم في تسريع الأثر الإنمائي في العمليات الدولية وتعزيزه. وفي هذا السياق، عُرضت مبادرتان رئيسيتان للوكالة تهدفان إلى تمكين أصحاب المصلحة في التنمية والبلدان من الاستفادة من رصد الأرض في قطاع الزراعة، وهما مشروعا WorldCereal و Sen4Stat.
ويركز مشروع WorldCereal على تطوير نظام مفتوح المصدر قائم على الحوسبة السحابية لمراقبة المحاصيل من المستوى المحلي إلى العالمي على مستوى الحقل الزراعي. ويُعدّ الحصول الآني على خرائط دقيقة لأنواع المحاصيل شرطاً أساسياً لعديد من تطبيقات المراقبة الزراعية. وبذلك يتيح المشروع لأي مستخدم إنشاء خرائط مخصصة بالكامل لأنواع المحاصيل وفقاً للمنطقة والموسم الزراعي وأنواع المحاصيل محل الاهتمام، باستخدام بيانات رصد الأرض المستمدة من المهام التي تؤديها الأقمار الصناعية كوبرنيكوس سينتنل.
ويُعد مكون تطوير الأساليب والأدوات ركيزة أساسية لمبادرة 50x2030، إذ يولِّد المعرفة اللازمة لتعزيز جودة بيانات المسوح الزراعية والريفية وملاءمتها وفعاليتها من حيث التكلفة، مع تركيزه بصورة قوية على إتاحة التكامل مع البيانات الجغرافية المكانية وتحسينه. ومن خلال إضافة قيمة لبيانات المسوح وإصدار مبادئ توجيهية تشغيلية تستند إلى بحوث منهجية دقيقة، تمهد مبادرة 50x2030 الطريق لتعميم الأساليب التي تم التحقق منها في المسوح المستقبلية - حتى خارج نطاق المبادرة نفسها.
من بناء المهارات إلى إحداث أثر واسع النطاق
صُمِّمت ورشة العمل نفسها لتحقيق أقصى قدر من الأثر العملي. فمن خلال الجمع بين الجلسات العملية والأسس النظرية، اكتسب المشاركون فيها مهارات عملية في استخدام أدوات رصد الأرض وتطبيقها في عملهم اليومي في الأجهزة الإحصائية الوطنية والوكالات الدولية. وقد أرسى هذا النهج الأساس لنموذج "تدريب المدربين"، ما مكّن المشاركين من تكرار هذه المهارات وتوسيع نطاق انتشارها في بلدان مختلفة حول العالم.
ورغم إحراز تقدم كبير، لا تزال هناك تحديات قائمة فيما يتعلق بضمان ارتفاع مستوى جودة البيانات الميدانية المخصصة لمراقبة المحاصيل الزراعية المستندة إلى رصد الأرض ومدى ملاءمتها للغرض - ما يتطلب توحيد إرشادات جمع البيانات وضمان إتاحتها على نطاق واسع داخل مجتمع خبراء الزراعة، حيث لا تزال محدودية إمكانية الوصول إليها تشكل عائقاً أمام جودة المنتجات القائمة على رصد الأرض وقوة أثرها.
وقد عالجت "ورشة العمل الخاصة باستخدام التكنولوجيا الفضائية لرصد الأرض من أجل البيانات الزراعية" هذه المشكلات بصورة مباشرة من خلال تمكين المشاركين من اكتساب مهارات عملية، وتعزيز تبادل المعرفة، وبناء شبكة من الخبراء الملتزمين بتحسين معايير البيانات وممارسات تبادلها.
ولم تكن الورشة مجرد فعالية، بل كانت بمثابة منصة انطلاق للأفكار الجديدة والشراكات وإحراز التقدم - ما يدل على أنه مع استمرار التعاون وبناء القدرات، وبمساعدة محدودة من تكنولوجيا الأقمار الصناعية، يمكن أن يكون مستقبل الزراعة عالي التقنية وقائماً على البيانات وشاملاً للجميع.
خبراء اقتصاديون في البنك الدولي
