أليكس كوبستيك, ديفيا كيرتي, ماريا سوليداد مارتينيث بيريا
تخيل أنك تقف في طابور مقهى، وعندما تصل إلى منضدة الدفع وتلوّح بهاتفك حتى تدفع الحساب، يُقال لك: "عذرا، نحن نقبل خدمة الدفع Apple Pay فقط، بينما أنت تحاول استخدام خدمة الدفع Google Pay." فتتنهد وتغادر بدون قهوتك.
هذا الإحساس البسيط بالإحباط يكشف عن تحدٍّ كبير: فالمدفوعات الرقمية ليست دائما بالسهولة التي تبدو عليها. وكما هو الحال غالبا فيما يخص البنية التحتية -سواء كانت رقمية أو مادية- فنحن لا نلتفت إليها إلا عندما لا تعمل جيدا. وما تفتقر إليه في هذه الحالة هو قابلية التشغيل البيني، أي قدرة تطبيقات الدفع والبنوك والمنصات المختلفة على الاتصال ببعضها بسلاسة.
وتوضح أبحاثنا الأخيرة أن حرية الاختيار هذه تحقق فائدتين رئيسيتين أولاهما هي حصول المستخدم على تجربة أفضل، حيث يختار المستهلكون تطبيقاتهم المفضلة بناء على ما يقدّرونه، بما في ذلك سهولة الاستخدام، أو الموثوقية، أو اختيار اللغة. والثانية هي المزيد من الابتكار، إذ يجب على مقدم الخدمات تقديم الخدمات وتحسينها باستمرار، لأن استبدالهم أصبح سهلا في حين لا توجد أي قيود على المستخدمين.
التسارع الرقمي
يعتمد عملنا على التحول السريع إلى المدفوعات الرقمية في الهند، ويخلُص إلى أن قابلية التشغيل البيني يمكنها تمكين المستهلكين وتعزيز الابتكار وتسريع التحول بعيدا عن التعامل النقدي.
ففي 2016، أطلقت الهند واجهة المدفوعات الموحدة التي تسمح بإرسال المدفوعات واستلامها بسهولة عبر جميع التطبيقات والبنوك المشاركة. وقد غيّر هذا النظام مشهد المدفوعات في الهند وأصبح أكبر نظام دفع لحظي في العالم من حيث الحجم، حيث يعالج أكثر من 19 مليار معاملة شهريا.
ومن اللافت للانتباه أن معظم معاملات واجهة المدفوعات الموحدة تتم بين تطبيقات مختلفة، وهو ما لم يكن ممكنا لو أنها كانت تعمل فقط كأنظمة دفع مغلقة. وفي الوقت نفسه، تراجع استخدام النقد. فقابلية التشغيل البيني كانت هي العامل الذي أطلق العنان للتسارع الرقمي في قصة واجهة المدفوعات الموحدة.
ومع ازدياد شعبية واجهة المدفوعات الموحدة، دخلت السوق أكثر من 200 تطبيق فضلا على أغلبية البنوك. وسمحت قابلية التشغيل البيني للمستخدمين بالانتقال بحرية إلى تطبيقات أحدث وأفضل، دون الحاجة إلى إقناع المستخدمين الآخرين بالتحول في الوقت نفسه.
وسمحت هذه المرونة للمشاركين الجدد بدخول السوق بسهولة أكبر والتوسع بسرعة أكبر. واضطرت الشركات المستقرة إلى رفع مستوى خدماتها. فالتطبيقات الأكثر موثوقية - وتُقاس بمعدلات فشل المعاملات- استقطبت المزيد من المستخدمين. وبمرور الوقت، تحسنت الموثوقية على مستوى السوق ككل.
واجهة المدفوعات الموحدة في الهند هي أكبر نظام دفع لحظي في العالم من حيث الحجم، حيث تعالج أكثر من 19 مليار معاملة شهريا.
دفع عجلة النمو
هل كانت قابلية التشغيل البيني برغم هذا عاملا حاسما في انطلاق المدفوعات الرقمية، أم كان هذا ليحدث على أي حال؟ تكشف الأدلة من حدثين مهمين باستخدام بيانات جديدة ومفصلة أن قابلية التشغيل البيني كان لها بالفعل دور أساسي في دفع عجلة نمو المدفوعات الرقمية في الهند.
أولا، جاء قرار سحب العملات الورقية من التداول في الهند في 2016، والذي دفع الكثيرين إلى تجربة المدفوعات الرقمية لأول مرة. وكان على المستخدمين الاختيار بين نظم الدفع المغلقة وواجهة المدفوعات الموحدة القابلة للتشغيل البيني. وقد اختار معظمهم واجهة المدفوعات الموحدة، التي شهدت نموا أسرع بكثير بفضل المعاملات عبر التطبيقات التي أتاحتها قابلية التشغيل البيني.
وثانيا، في 2017، وبعد دفعة تنظيمية، انضم أحد كبار مقدمي خدمات الدفع المغلق إلى واجهة المدفوعات الموحدة، ما أدى إلى دمج شبكتين كبيرتين قائمتين من شبكات المدفوعات. وما هي النتيجة؟ نمت المدفوعات الرقمية بوتيرة أسرع في المناطق التي كانت أكثر تشتتا في البداية، وحققت بالتالي المكاسب الأكبر من هذه الزيادة في قابلية التشغيل البيني.
شبكات مترابطة
كانت قابلية التشغيل البيني محركا أساسيا لنجاح الهند في التوسع في المدفوعات الرقمية. ولكن هناك عدة عوامل أخرى ساهمت في هذا النجاح كذلك. وتشمل هذه العوامل نظاما واسعا للهوية الرقمية، وبرامج الشمول المالي، وإتاحة خدمة الإنترنت عبر الأجهزة المحمولة بأسعار معقولة.
ويمكن للبلدان التي تسعى إلى توسيع المدفوعات الرقمية أن تستخلص عدة دروس من تجربة الهند. يبدأ الأمر بإنشاء بنية تحتية مفتوحة. فقابلية التشغيل البيني يمكن أن تعزز خيارات المستخدم وتحفز الابتكار.
واليوم، يبدأ أكثر من 95% من معاملات واجهة المدفوعات الموحدة باستخدام 3 تطبيقات فقط، وفي نحو نصفها يستخدم كل من الدافع والمدفوع له التطبيق نفسه. لذا فإن تتبع أنماط الاستخدام، وهيمنة التطبيقات، وتكاليف التبديل أمر حيوي للسلطات لتحديد أفضل السبل لحماية حرية اختيار المستخدم.
وعندما تُطَبَق قابلية التشغيل البيني بشكل صحيح، فهي تحوِّل الأنظمة المتشتتة إلى شبكات مترابطة. فهي تعزز الثقة، وتسرّع اعتماد المدفوعات الرقمية، وتحقق تكافؤ الفرص. وبالنسبة للبلدان التي تبني مستقبل التمويل، فقابلية التشغيل البيني ليست مجرد أمر مفيد، بل هي ركيزة أساسية.
خبراء اقتصاديون في صندوق النقد الدولي
