عبد الرحمن النمري
في عالم الطاقة، تُعد القدرة على تلبية الطلب المتزايد على النفط أحد أهم مؤشرات استقرار الاقتصاد العالمي، فحين ترتفع الحاجة إلى النفط لأي سبب، فإن سرعة استجابة الدول المنتجة هي العامل الحاسم في ضبط الأسواق وتجنب التقلبات الحادة في الأسعار.
الجدير بالذكر، أن بعض الدول تمتلك ميزة إستراتيجية نادرة، وهي القدرة على رفع إنتاجها في وقت قصير أو حتى لحظي، مستندة إلى طاقتها الإنتاجية الفائضة والبنية التحتية المتطورة التي تتيح لها ضخ كميات إضافية من النفط إلى الأسواق العالمية فورا وهذا أمر مطمئن للأسواق بلا شك.
المملكة العربية السعودية على سبيل المثال تمتلك طاقة إنتاجية فائضة تُقدر بنحو 1.5 إلى 2 مليون برميل يوميا، ما يجعلها الدولة الوحيدة القادرة فعليا على موازنة السوق عند الحاجة، في حين يبلغ إجمالي الطاقة الفائضة في دول “أوبك+” مجتمعة أقل من 3 ملايين برميل يوميا.
هذه القدرة تمثل صمام أمان للسوق، إذ يمكنها امتصاص الارتفاع المفاجئ في الطلب أو تعويض النقص الناتج عن أي اضطرابات في الإمدادات.
في اعتقادي، أن الصورة ليست وردية دائما، فهناك سيناريو آخر أكثر تعقيدا وقلقا يجب استشرافه ووضعه في الحسبان، وهو ما إذا ارتفع الطلب العالمي على النفط بوتيرة تفوق هذه القدرات الفائضة.
هذا السيناريو يمكن أن يحدث تدريجيا نتيجة النمو الطبيعي في عدد السكان وزيادة الطلب على الطاقة، أو بصورة متسارعة بسبب عوامل فنية أو أمنية أو جيوسياسية. فعلى سبيل المثال، تشير التوقعات إلى أن عدد سكان العالم سيصل إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، أي بزيادة تفوق ملياري نسمة مقارنة باليوم، وهو ما يعني بالضرورة زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة، خصوصا في الدول النامية.
ما يضاعف القلق في رأيي ويستدعي التوقف عنده، أن الاستثمارات في صناعة النفط تشهد تراجعا واضحا، فبحسب وكالة الطاقة الدولية، انخفضت الاستثمارات العالمية في مشاريع النفط والغاز بأكثر من 25% منذ 2014، ولم تعد إلى مستوياتها السابقة حتى بعد جائحة كورونا.
إذا استمر هذا الاتجاه، فقد يشهد العالم فجوة في الإمدادات تصل إلى 7 ملايين برميل يوميا بحلول 2030 أو حتى بعدها في أفضل الاحتمالات. النتيجة الطبيعية لمثل هذا الخلل ستكون شحا في الطاقة وارتفاعا كبيرا في الأسعار، وهو ما قد ينعكس مباشرة على معدلات التضخم وتكاليف النقل والإنتاج الصناعي.
الجدير بالذكر، أن غياب البدائل الجاهزة التي يمكن أن تغطي الطلب بنفس الكفاءة والسعة، سيؤثر في النمو الاقتصادي العالمي، وستتراجع قدرة الدول على الحفاظ على استقرار أسعار السلع والخدمات.
أعتقد أن التوازن بين “الوفرة والندرة” لم يعد خيارا، بل ضرورة إستراتيجية، والاستثمار المستدام في صناعة النفط وبنيتها التحتية ليس مجرد مصلحة اقتصادية، بل ضمانة لأمن الطاقة العالمي واستقرار النمو لعقود قادمة!
مختص في شؤون الطاقة
