يشهد قطاع التعدين اليوم توسعا كبيرا ومتسارعا على مستوى العالم، حتى أصبح من أكثر القطاعات تأثيرا في سلاسل الإمداد والصناعات المتقدمة. في رأيي إن فهم مستقبل التعدين لا يمكن أن يكتمل دون فهم العلاقة الوثيقة والمحورية بينه وبين الطاقة، كون التعدين يعد من أعلى القطاعات استهلاكا للكهرباء والوقود.
الجدير بالذكر، أن هناك تقديرات دولية تشير أن قطاع التعدين يستهلك عالميا بين 6% إلى 7% من إجمالي استهلاك الكهرباء في العالم! بينما تمثل عمليات الطحن وحدها ما يقارب 40% إلى 50% من إجمالي استهلاك الطاقة داخل المنجم. في اعتقادي، إن هذه الأرقام تبرر الحاجة إلى ابتكار حلول مختلفة في إنتاج الطاقة ونقلها وتخزينها لتلبية هذا الطلب المتزايد.
أعتقد بما لا يدع مجالا للشك أن السعودية أمام فرصة استثنائية، حيث تشير التقديرات الحكومية إلى امتلاك السعودية موارد معدنية تقدر قيمتها بأكثر من 5 تريليونات ريال، مع خطط لرفع إسهام قطاع التعدين في الناتج المحلي إلى أكثر من 240 مليار ريال سنويا بحلول 2030. هذا النمو الطموح يتطلب في اعتقادي توسعا موازيا في إنتاج الطاقة، خصوصا أن مواقع التعدين غالبا ما تكون في مناطق تتطلب بنية تحتية قوية وقدرات كهربائية مستقرة ومستدامة.
كذلك أصبحت الطاقة عنصرا حاسما في قدرة قطاع التعدين على المنافسة، إذا ما علمنا أن تكلفة الطاقة تمثل 20% إلى 35% من التكلفة التشغيلية المباشرة لعديد من المناجم حول العالم. أرى أن أي دولة قادرة على توفير كهرباء موثوقة ومنخفضة التكلفة ومستدامة ستجذب بطبيعة الحال استثمارات تعدين ضخمة، خصوصا في الصناعات المستقبلية مثل النحاس، الليثيوم، النيكل، الماغنيسيوم وغيرها من المعادن.
أعتقد أن السعودية بفضل استثماراتها المتسارعة في الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجي تمتلك فرصة لتحويل قطاع التعدين إلى قطاع منخفض الانبعاثات، وهو ما سيجعل منتجاتها المعدنية أكثر قبولا في الأسواق الدولية حيث تتماهى هذه المنتجات مع البصمة الكربونية المنخفضةللمعادن.
كما أرى أن دمج قطاع التعدين مع التقنيات الحديثة للطاقة، من الشبكات الذكية، والتخزين، ونظم الإدارة بالذكاء الاصطناعي، إلى حلول تحسين كفاءة الاستهلاك، لم يعد خيارا، بل ضرورة إستراتيجية لضمان الاستدامة وتقليل التكاليف ورفع جودة الإنتاج.
نجاح السعودية في الربط بين قطاعي التعدين والطاقة سيخلق أنموذجا اقتصاديا مميزا ومجديا يمكنها بعد توفيق الله من قيادة المنطقة في الصناعات التعدينية المتقدمة، وسنرى بإذن الله خلال السنوات القليلة المقبلة أنها أصبحت لاعبا أساسيا في قطاع التعدين.
مختص في شؤون الطاقة
