سلمان الجشي
في ظل التحولات المتسارعة في المشهد الصناعي العالمي، تواجه الصناعة الوطنية تحديات متزايدة من دول تمتلك قدرات إنتاجية هائلة ويدعمها انخفاض تكاليف العمالة، إضافة إلى منافسة مباشرة من اقتصاداتٍ ذات كثافة سكانية، ما يعني سوق كبيرة محلية.
ومع اقتراب انتهاء إعفاء المقابل المالي الذي نأمل تمديده نظرا لانعكاسه الإيجابي المتوقع على اقتصادنا المحلي بما يشمل توظيف المواطنين ، تصبح الحاجة إلى تعظيم الاستفادة من مبادرات وزارة الصناعة والثروة المعدنية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فهذه المبادرات لم تُطلق إلا إدراكًا من الوزارة لحجم التحديات التي يعيشها الصناعيون، ورغبتها في تمكين القطاع من رفع كفاءته، وتعزيز تنافسيته، وتحويل موقع السعودية الجيوسياسي إلى فرصة بدلاً من أن يكون عامل ضغط.
لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة تغيرات كبيرة في السياسات الصناعية .. فدولة كأمريكا رفعت الجمارك على الواردات، وعززت دعم الصناعة المحلية بآليات مختلفة لحماية سلاسل الإمداد وتمكين المنتج الوطني. هذا الوعي الدولي بأهمية الصناعة يجب أن ينعكس محليًا من خلال تعاون أكبر بين الصناعيين والجهات الداعمة. وهنا يظهر دور اللجنة الوطنية الصناعية في اتحاد الغرف، واللجان الصناعية في الغرف التجارية، إذ يُفترض أن تتبنى ورش عمل تطبيقية لكل مبادرة من مبادرات الوزارة، وتقدمها للصناعيين بشكل مبسط وواضح، إضافة إلى إبرازها إعلاميًا في المنتديات المختصة.
كما أن الجهات الشقيقة للوزارة، مثل هيئة المدن الصناعية والصندوق الصناعي مطالبين بدور تكاملي عبر تنظيم ورش، وتقديم محتوى معرفي يساعد المصانع على الاستفادة المثلى من هذه البرامج. ومن أهم المبادرات التي يجب على الصناعيين الاستثمار فيها مبادرة تطوير سلاسل الإمداد المحلية، التي تهدف إلى بناء قاعدة بيانات وتحليل المنتجات لتمكين المصانع من إيجاد موردين محليين منافسين أو لتصبح جزءًا من سلاسل توريد أكبر.
هذه المبادرة تمثل فرصة حقيقية لتقليل الاعتماد على الواردات وخفض تكاليف النقل واللوجستيات. كذلك تأتي مبادرة استدامة الصناعة لتساعد المصانع على تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل الهدر، من خلال دراسات واستشارات مجانية ترفع من القدرة التنافسية وتسمح باستدامة الربحية على المدى الطويل. أما مبادرة معايير التجمعات الصناعية فتوفر إطارًا واضحًا لمواءمة المنتجات مع المواصفات السعودية والدولية، الأمر الذي يفتح الباب أمام التصدير ويعزز ثقة المستهلك المحلي.
ويضاف إلى ذلك مبادرة المركز الوطني للمعلومات الصناعية والتعدينية التي توفر بيانات دقيقة حول المواد والأسعار والموردين، وهي أداة إستراتيجية لصانعي القرار داخل المصانع للتخطيط وضبط التكاليف بكفاءة أعلى. وتُعد منصة الخدمات الرقمية للمستثمر الصناعي من أهم أدوات التمكين الحالية، إذ تختصر رحلة المستثمر في إجراءات إلكترونية موحدة وسريعة، سواء عند شراء معدات جديدة أو التوسع في خطوط الإنتاج. كما تقدّم مبادرة برنامج التنافسية لتحسين أسعار الطاقة فرصة جوهرية لخفض تكلفة الإنتاج عبر تخفيض فاتورة الطاقة، وهو عنصر رئيسي في أي صناعة.
وتعزز مبادرتا السياسة التجارية للتصنيع ومكافحة المنافسة غير العادلة حماية القطاع الصناعي من الممارسات الدولية الضارة مثل الإغراق، وتوفران للصناعيين دعمًا قانونيًا وإجرائيًا لرفع شكاوى ضد المنافسين غير العادلين. وأخيرًا، تشكل مبادرة تطوير الإعفاءات الجمركية وسيلة فاعلة لخفض التكاليف عند استيراد المواد الخام والآلات، ما يرفع هامش الربح ويدعم التوسع الإنتاجي.
إن نجاح الصناعة السعودية في مواجهة المنافسة العالمية يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة المصانع على استثمار هذه المبادرات بالشكل الأمثل. وما لم يتبنَّ الصناعيون والجهات التمثيلية لهم دورًا أكثر نشاطًا في التعرف على هذه البرامج وتطبيقها على أرض الواقع، ستظل هذه المبادرات إمكانات غير مستغلة.
لذا.. فإن المرحلة المقبلة تتطلب تعاونًا أوسع، ووعياً أعلى، وحراكًا صناعيًا منظمًا لتفعيل هذه المبادرات وتحويلها إلى نتائج ملموسة تعزز قوة الصناعة الوطنية وتدعم مكانة السعودية كقوة صناعية واعدة.
