تشهد الأسواق المالية العالمية تحوّلًا متسارعًا في نظرتها إلى الأصول الرقمية، التي لم تعد حكرًا على العملات المشفّرة، بل أصبحت ركيزة متنامية في منظومة الاستثمار البديل. وبحسب دراسة لشركة EY للاستشارات، أكد 60% من المستثمرين المشاركين في المسح ارتفاع الاهتمام بالأصول الرقمية في الولايات المتحدة والعالم، خصوصًا بعد موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على إدراج صناديق استثمار متداولة للعملات المشفّرة، فيما أشار 69% إلى نيتهم الاستثمار عبر صناديق المؤشرات، ما يُبرز انتقال الأصول الرقمية إلى قلب المشهد المالي العالمي.
تشمل الأصول الرقمية اليوم نطاقًا واسعًا من الأدوات: من العملات المستقرة المرتبطة بالدولار، إلى الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، وصولًا إلى الأصول المرمّزة (Tokenized Assets) التي تتيح تمليك أجزاء من أصول حقيقية مثل العقارات أو الأسهم الخاصة.
وفي هذا السياق، أشار الرئيس التنفيذي لشركة Robinhood الأمريكية فلاد تينيف (Vlad Tenev) إلى إمكانية استخدام الترميز في جمع الاستثمارات للشركات غير المدرجة مثل: شركة SpaceX، وهو يُعد مؤشرا مبكرا على تحوّل عميق في طرق تمويل الشركات الخاصة، إذ يَعِدُ الترميز بتوسيع قاعدة المستثمرين، وتعزيز السيولة الثانوية، وخفض تكاليف الإصدار، مع تحسين الشفافية والامتثال.
تقدّر شركة Roland Berger الاستشارية، أن حجم سوق الأصول المرمّزة بنحو 10.9 تريليون دولار بحلول عام 2030، ما يؤكد دخول الاقتصاد العالمي مرحلة تمتزج فيها التقنية بالمال عبر بنى تحتية تعتمد على البلوكشين والعقود الذكية.
وعلى المستوى التنظيمي، أقرت الولايات المتحدة قانون Genesis Act لتنظيم العملات المستقرة(Stablecoins) ، فيما أعلن البنك المركزي السعودي انضمامه إلى مشروع بنك التسويات الدولية (mBridge) لتطوير عملات رقمية للبنوك المركزية تعزّز كفاءة المدفوعات العابرة للحدود، في خطوة تُبرز التوجّه السعودي لتبني التقنيات المالية المتقدمة. كما أطلق مصرف البحرين المركزي إطارًا لترخيص ورقابة مُصدري العملات المستقرة، بما يعزّز تبنّيها إقليميًا.
في المشهد السعودي، تبرز شركة عملة كمثال على الشركات السعودية الناشئة التي تطوّر حلولًا لحفظ وإدارة الأصول الرقمية للشركات والجهات الحكومية، بعد إغلاقها جولة استثمارية بقيمة 2.4 مليون دولار، في خطوة تُبرز تسارع التحول الرقمي في السعودية وتعزيز حضورها في المشهد التقني العالمي.
ورغم الزخم المتزايد حول الترميز بوصفه مستقبل تمويل الأصول، فإن تحدياته التشغيلية والتنظيمية ما زالت قائمة. فعملية تحويل الأصول التقليدية إلى رموز رقمية تتطلب بيئة تشريعية واضحة تُحدّد حقوق الملكية وآليات التسوية القانونية، إضافة إلى بنى تحتية مالية قادرة على التكامل مع الأنظمة المصرفية الحالية.
كما يبرز تحدي الحوكمة وحماية المستثمرين في ظل المنصات العابرة للحدود وتفاوت المعايير التنظيمية بين الأسواق، ما يخلق فجوة في الامتثال ويزيد على تعقيد إدارة المخاطر. ويُضاف إلى ذلك التحدي التقني المتمثل في أمن الشبكات وتوافق الأنظمة بين سلاسل الكتل (Blockchain) المختلفة، وهو عامل حاسم لضمان الكفاءة وقابلية التوسع. التغلب على هذه التحديات يمثل الخطوة المفصلية لانتقال الترميز من الابتكار إلى الاعتماد المؤسسي الواسع.
في المحصلة، تمثّل الأصول الرقمية محور تحوّل بنيوي يعيد رسم خريطة الاستثمار عالميًا، ومع نضوج الأطر التنظيمية وتزايد تبنّي المؤسسات، يتجه العالم بثبات نحو عصر الأصول الرقمية ، حيث تمتزج التقنية بالاستثمار لتشكّل اقتصادًا أكثر كفاءة واستدامة.
كاتب ومحلل في شؤون المال والأعمال