علي الجحلي
تُعد العلاقات بين الصين واليابان من أكثر العلاقات الاقتصادية حساسية في العالم، بحكم أن البلدين يمثلان ثاني وثالث أكبر اقتصاد عالمي، ويرتبطان بشبكة واسعة من التجارة والاستثمارات المتبادلة. ورغم قوة العلاقات الاقتصادية، فإن الخلافات السياسية—خصوصًا المتعلقة بالجزر المتنازع عليها مثل “سينكاكو/دياويو”—تُعد مصدرًا دائمًا للتوتر، ما يظهر بقوة على التجارة الدولية وسلاسل الإمداد.
أولاً: تأثير التوترات في سلاسل الإمداد – مثال قطاع السيارات
تقوم شركات السيارات اليابانية مثل “تويوتا” و“هوندا” بالاعتماد على مصانع ومورّدين في الصين لإنتاج أجزاء حساسة مثل الأنظمة الإلكترونية والبطاريات. وعندما تصاعد التوتر السياسي في 2012 بعد نزاع سينكاكو، شهدت المصانع اليابانية نقصًا في بعض المكونات نتيجة الإضرابات والمظاهرات في الصين. هذا النقص أدى إلى تباطؤ إنتاج السيارات في اليابان وانخفاض صادراتها، ما رفع الأسعار في بعض الأسواق العالمية.
ثانيًا: تأثير التوتر في الممرات البحرية – مثال شركات الشحن
يمر جزء كبير من التجارة العالمية عبر بحر الصين الشرقي. وخلال فترات التوتر بين الصين واليابان، ترتفع أقساط التأمين على السفن التي تمر بالقرب من الجزر المتنازع عليها. على سبيل المثال، أفادت شركات شحن آسيوية في 2020 بأن تكاليف التأمين ارتفعت بنسبة تصل إلى 15% عند توتر الأوضاع البحرية، ما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن العالمي.
ثالثًا: إعادة تموضع الشركات – مثال شركات الإلكترونيات
بسبب عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، بدأت شركات مثل “سوني” و“باناسونيك” و“فوجيتسو” في نقل بعض خطوط الإنتاج من الصين إلى دول مثل فيتنام وتايلاند. وفي المقابل توسعت شركات صينية في أسواق جنوب شرق آسيا لتقليل اعتمادها على السوق اليابانية.
رابعًا: تأثير التوترات في أسعار العملات – مثال الين الياباني
عندما تتصاعد النزاعات السياسية، يلجأ المستثمرون للين الياباني كعملة ملاذ آمن. شهد الين ارتفاعًا ملحوظًا في 2013 و2020 خلال فترات توتر سياسي، ما أثر في تنافسية الصادرات اليابانية عالميًا.
خامسًا: تراجع الاستثمارات المشتركة – مثال قطاع الروبوتات والتكنولوجيا
تُعد اليابان رائدة في صناعة الروبوتات، وقد تعطلت استثمارات صينية في شركات يابانية خلال فترات التوتر السياسي، كما حدث عام 2019 بسبب مخاوف أمنية.
سادسًا: تشكل محاور اقتصادية متنافسة – أمثلة الاتفاقيات الإقليمية
اليابان تعزز شراكاتها عبر اتفاقيات مثل CPTPP وEPA، بينما توسع الصين نفوذها عبر مبادرة الحزام والطريق واتفاقية RCEP. هذا يبرز تباعدًا إستراتيجيًا يغير موازين التجارة الإقليمية.
سابعًا: انعكاسات التوتر على الأسواق العالمية – مثال المعادن النادرة
فرضت الصين قيودًا على تصدير بعض المعادن النادرة عام 2010 خلال خلاف مع اليابان، ما رفع أسعار هذه المعادن عالميًا بأكثر من 50%، وأثر في صناعات الإلكترونيات والسيارات.
الخلاصة
الخلاف بين الصين واليابان ليس مجرد قضية سياسية محلية، بل يؤثر في التجارة الدولية كلها، نظرًا لاعتماد العالم على سلاسل الإمداد الآسيوية وتعقيد التشابك الاقتصادي بين البلدين.
كاتب اقتصادي
