يشهد عالم الأعمال تحولات جذرية بفعل الذكاء الاصطناعي، بينما تتزايد المخاطر السيبرانية، وتتعرض الثقة في المؤسسات لضغوط متصاعدة. في ظل هذه التطورات، يُطرح سؤال جوهري: ما شكل "الحوكمة الرشيدة" في 2025؟
يقول موقع "المنتدى الاقتصادي العالمي" إن الحوكمة هي الهياكل والأنظمة والممارسات التي تنظم عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسات، وتحدد المسؤوليات، وتضمن تحقيق الأهداف الإستراتيجية. وتشمل الحوكمة أيضًا تقديم الخدمات، وإدارة الأداء، ورصد المخاطر، والتعامل معها.
لكن مع الأسف، كثيرًا ما يُساء فهم الحوكمة وتُختزل في كونها إجراءات معقدة تُبطئ الابتكار. والحل ليس في إضافة إجراءات أكثر، بل في العودة إلى المبادئ الأساسية: تحديد النتائج التي صممت الحوكمة لحمايتها، مثل النزاهة، والمساءلة، والشفافية، والمرونة، ثم العمل عكسيًا لتحديد الحد الأدنى من الآليات اللازمة لتحقيقها. فالحوكمة الجيدة لا تعني تجنب الفشل تمامًا، بل تعني الشفافية والمرونة والقدرة على التكيف حتى في أوقات الفشل.
فماذا لو لم يأت التحول الحقيقي من تعديل القديم، بل من التركيز على النتائج وإثبات قيمة الجديد؟
تحديان أساسيان أمام مجالس الإدارة
تواجه مجالس الإدارة اليوم تحديين: التحول بالذكاء الاصطناعي، ومواجهة المخاطر السيبرانية. فالذكاء الاصطناعي أصبح ضرورة إستراتيجية، بينما الأمن السيبراني ضرورة وجودية. الخطأ الشائع هو التعامل معهما كمسارين منفصلين. فالواقع يوضح أن الهجمات السيبرانية تستهدف أنظمة الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي يُستخدم لتنفيذ هذه الهجمات. لذا، بناء أنظمة ذكاء اصطناعي موثوقة يعتمد على المبادئ نفسها التي أرستها ممارسات الأمن السيبراني: السياسات، وتقييم المخاطر، والضوابط، والاختبارات. لذا فإن توحيد هذه المجالات لم يعد خيارًا، بل ضرورة.
لا يمكن لهذا الاندماج أن ينجح إذا استمرت الفرق بالعمل في جزر منعزلة. فعادةً ما يُستدعى خبراء الأمن في المراحل الأخيرة من المشاريع، ما يؤدي إلى تأخيرها وزيادة التكلفة. الأفضل هو أن يعمل خبراء الأمن، والبيانات، والذكاء الاصطناعي معًا منذ بداية التصميم، لضمان السرعة والكفاءة والموثوقية.
القطاع العام مقابل القطاع الخاص
في القطاع الخاص، يفقد العملاء الثقة ويغيرون مقدمي الخدمة بسهولة بعد الخروقات الأمنية. أما في القطاع العام، فالمواطنون لا يملكون هذا الخيار. لذا، تصبح الشفافية، والمساءلة، والاستعداد للأزمات مهمة لتعزيز ثقة الجمهور، حتى عند حدوث الأخطاء.
من يقود حوكمة الذكاء الاصطناعي؟
تفكر المؤسسات فيمن يجب أن يتحمل مسؤولية حوكمة الذكاء الاصطناعي. في بعض الحالات، وسعت بعض الجهات دور مدير أمن المعلومات (CISO) ليشمل هذا المجال، نظرًا لمعرفته بالمخاطر والضوابط. لكن البنية التنظيمية تظل مهمة، فموقع مدير أمن المعلومات في الهيكل الإداري يؤثر في قدرته على التأثير وأداء دوره بفاعلية واستقلالية، لذا يجب منحه استقلالية حقيقية.
المشكلة تبدأ من الجرد لا يمكن حوكمة ما لا يفهم ولا يُعرف. فالمؤسسات تعاني بسبب ضعف أو نقص في جرد الأصول التكنولوجية ومسؤوولياتها. الحل يكمن في تبني التفكير النظمي لفهم التفاعل بين الأنظمة والبيانات والعمليات، مع تحديد واضح لمسؤولية كل مكون.
نشر الوعي الحقيقي
رغم زيادة وعي القادة بالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، لا يزال التعقيد الاصطلاحي حاجزًا أمام اتخاذ قرارات فعالة. يجب تبسيط المفاهيم، والتركيز على الآثار الواقعية، وتدريب القادة على اتخاذ قرارات تحت ضغط ووسط عدم اليقين.
وفي الختام، يضع "المنتدى الاقتصادي العالمي" 5 أولويات للحوكمة الحديثة، أولا: قيادة موحدة مستقلة يقودها مسؤول كبير يُشرف على الذكاء الاصطناعي والأمن والبيانات. ثانيا: تصميم تشاركي منذ البداية بين فرق الأمن والتكنولوجيا والبيانات. ثالثا: شفافية في توثيق القرارات والتدريب على الاستجابة للأزمات. رابعا: تحسين الجرد بأنظمة دقيقة ومسؤوليات واضحة. خامسا: تعزيز الوعي من خلال ورش تفاعلية واقعية.
في عصر الذكاء الاصطناعي، الحوكمة أداة لحماية الثقة، ويبدأ دورها بدمج الأمن والتحول الرقمي معا، وقياس النجاح بالنتائج، لا عدد الإجراءات.