يبدو أن تراجع الولايات المتحدة عن طموحاتها في مجال السيارات الكهربائية بدأ يصل إلى أنحاء العالم. ففي كندا، أعلن رئيس الوزراء مارك كارني تعليق العمل بقانون كان سيجبر شركات السيارات على بلوغ نسب مبيعات معينة للسيارات الكهربائية من العام المقبل.
في المملكة المتحدة، سمح رئيس الوزراء كير ستارمر كذلك بمرونة في الجدول الزمني لتحقيق أهداف مبيعات المركبات الكهربائية، بينما رضخ الاتحاد الأوروبي لضغوط شركات صناعة السيارات، وقرر المسؤولون إعادة النظر في هدف التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من السيارات بحلول 2035.
باتريك شوفوس، أحد الشركاء في "ماكينزي" للاستشارات، قال: "إن هناك إدراكا متزايدا بأن هذا التحول لا يسير بالسرعة التي نرغب فيها. السيارات الكهربائية ليست هواتف ذكية"، بحسب ما نقلته عنه صحيفة "وول ستريت جورنال"
الواقع يضرب طموحات الولايات المتحدة بيد من حديد
قد تكون شركات السيارات على أعتاب خسائر متزايدة بعد استثمارات ضخمة في السيارات الكهربائية، وسط تبنٍ بطيء من المستهلكين وضغوط حكومية تقوض أرباحها.
شركات كبرى، من بينها "جنرال موتورز" التي أعلنت هذا الأسبوع أنها ستتكبد خسائر قدرها 1.6 مليار دولار بسبب تراجع مبيعات السيارات الكهربائية، قالت إنها ستعيد النظر في سعتها الإنتاجية.
اللوم كان على قرارات الحكومة الأمريكية الأخيرة بإنهاء الدعم والقيود التنظيمية التي كانت تدعم هذا القطاع، وسط تحذيرات من احتمال تكبد مزيد من خسائر أكثر.
كريستيان مونييه، رئيس شركة "نيسان" في الأمريكتين، قال بدوره: "إن الواقع هو الذي يحدد. ربما السيارات الكهربائية حل سديد في المستقبل، لكن لا يمكن فرضها على المستهلكين اليوم".
تؤكد شركات صناعة السيارات أن نموذج العمل القائم على المركبات الكهربائية لا يزال غير مربح في ظل التكاليف المرتفعة للبطاريات، وضعف شبكات الشحن، وتراجع الدعم الحكومي.
الاتحاد الأوروبي يبدي مرونة
في أوروبا وأمريكا الشمالية، تم تقليص برامج الحوافز أو إلغاؤها بالكامل.
كانت شركة فولكسفاجن الألمانية، المثقلة بتكاليف التحول إلى الكهرباء، من أولى الشركات التي دفعت نحو هذا التحول في الموقف الأوروبي، عندما أعلنت عن تسريح 35 ألف موظف ضمن صفقة مع نقابات العمال، ما أحدث صدمة في الأوساط السياسية الأوروبية.
بعد أسابيع، عقد الاتحاد الأوروبي "حوارًا إستراتيجيًا" مع صناعة السيارات، أسفر عن مرونة في الجداول الزمنية لشركات صناعة السيارات للوفاء بمستهدفات الانبعاثات لعام 2025.
وأعلن مفوض الصناعة الأوروبي، ستيفان سيجورنيه، عن مراجعة قريبة لمستهدف عام 2035 بخفض انبعاثات الكربون من السيارات إلى الصفر.
بلغت الضغوط أوجها في معرض ميونخ للسيارات الشهر الماضي، حيث دعت الشركات الأوروبية إلى تخفيف الأهداف المناخية، بالتزامن مع منافسة شرسة من الشركات الصينية مثل "بي واي دي".
وقال جان-فيليب إمباراتو، المدير الأوروبي السابق لشركة "ستيلانتيس"، المالكة لـ"فيات" و"بيجو" و"جيب"، في مقابلة خلال المعرض "إن أهداف الاتحاد الأوروبي لعامي 2030 و2035 بعيدة المنال".
أما أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لـ"فولكسفاجن" و"بورشه"، فطالب بتوفير بنية تحتية أفضل للشحن، وكهرباء أرخص، ودعم حكومي أكبر للسيارات الميسورة السعر. كما استعرض أحدث نسخة من سيارة بورشه الرياضية 911 توربو إس، في إشارة إلى تجدد اهتمام الصناعة بمحركات الاحتراق الداخلي، ولا سيما في سوق السيارات الفاخرة.
الرسوم الجمركية تفرض مزيدا من التحديات
تواجه الصناعة الأوروبية تحديات متعددة، بحسب مذكرة صادرة قبل محادثات الاتحاد الأخيرة، منها الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة، وانخفاض هامش أرباح السيارات الكهربائية، واحتدام المنافسة من الشركات الصينية.
أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، قالت بدورها: "علينا الاستماع إلى أصوات الجهات المعنية التي تطالب بالواقعية في هذه الأوقات العصيبة".
في كندا، وبعد أن أمضى رئيس الوزراء كارني عقداً من الزمن في الدفاع عن مكافحة التغير المناخي، وجد نفسه أمام أزمة اقتصادية حادة بعد فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب رسوما جمركية قاسية على صادرات كندية، شملت السيارات والصلب والألمنيوم.
في الشهر الماضي، أجل كارني هدف الحد الأدنى الإلزامي من مبيعات السيارات الكهربائية الذي كان من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ العام المقبل. وقال: "نحن نشهد بداية إعادة هيكلة قطاع السيارات الكندي".
النهج في الصين واليابان مختلف
في الصين، تستمر المبيعات في النمو، لكن على حساب الربحية، حيث تتنافس شركات صناعة السيارات على العملاء في سوق مشبعة.
تتوقع شركة الاستشارات "أليكس بارتنرز" أن معظم العلامات التجارية الـ118 التي تعمل في السوق الصينية لن تبقى قائمة بعد 5 سنوات.
في المقابل، اتبعت اليابان نهجا مختلفا، إذ لم تضع كل رهاناتها على السيارات الكهربائية، بل دعمت كل ما من شأنه تقليل التلوث، بما في ذلك السيارات الهجينة.
أكيو تويودا، رئيس "تويوتا"، قال حينها "إنه ضمن (أغلبية صامتة) تشكك في جدوى الاندفاع العالمي نحو السيارات الكهربائية".
وفي الولايات المتحدة، تراجعت مبيعات السيارات الكهربائية بشدة بعد إلغاء الحوافز الفيدرالية وبسبب اللوائح البيئية.
خفضت "أليكس بارتنرز" توقعاتها لحصة السيارات الكهربائية من المبيعات في 2030 إلى 18%، أي نصف ما كانت تتوقعه قبل عامين فقط، مع تراجع الاستثمار بعد سحب صلاحية كاليفورنيا في فرض معايير انبعاثات خاصة بها، بضغوط من "جنرال موتورز" واتحاد الصناعة.