تواصل أسعار الذهب تراجعها في الأسواق العالمية، في وقت تواصل فيه الأسهم الأمريكية تحطيم أرقام قياسية جديدة، ما أثار الشكوك حول استدامة الارتفاع الكبير الذي شهده المعدن النفيس خلال الأشهر الماضية، ولا سيما مع حالة عدم اليقين التي تحاوط المفاوضات التجارية بين أكبر اقتصادين عالميا أمريكا والصين.
في وقت قريب، بدأ الذهب في مسار صعودي مستمر، حيث تخطى مستويات قياسية متتالية، وفي مرحلة ما، ارتفع بأكثر من 60% خلال العام. ولكن منذ أن بلغ ذروته في وقت سابق من هذا الشهر، انخفضت الأسعار 9%، لتستقر حول 4 آلاف دولار للأونصة، حسب مجلة فورتشن.
ورغم أن بعض المحللين في "وول ستريت" عزوا الطفرة السابقة إلى رغبة المستثمرين في الابتعاد عن الأصول المقومة بالدولار، أو إلى ما يُعرف بـ"تجارة خفض قيمة العملة" التي تفترض أن الحكومات ستسمح بارتفاع التضخم لتخفيف أعباء ديونها، فإن محللين آخرين يرون الصورة بشكل مختلف.
فترة صعود الذهب بين أغسطس وأكتوبر شهدت استقرار الدولار وارتفاع عوائد السندات الأمريكية، ما يعني أن الارتفاع كان مدفوعًا بموجة مضاربة لا أكثرجون هيجينز، كبير الاقتصاديين في "كابيتال إيكونوميكس"
الخوف من فوات الفرصة
حمد حسين، خبير اقتصادي في شؤون المناخ والسلع لدى "كابيتال إيكونوميكس"، كتب في مذكرة حديثة أن موجة ارتفاع الذهب الأخيرة "تشبه فقاعة سوقية في مراحلها الأخيرة"، متوقعًا أن تتراجع الأسعار إلى نحو 3500 دولار للأونصة بحلول نهاية 2026. وأوضح أن أحد المحركات الرئيسية وراء الصعود الأخير هو ما يُعرف بـ"الخوف من فوات الفرصة"، إذ اندفع المستثمرون إلى الشراء بدافع نفسي أكثر من كونه اقتصاديا.
حسين أكد أن هذا التراجع لا يعني انهيارا كاملا، فالعوامل طويلة الأمد التي تدعم الطلب على الذهب ما تزال قائمة، من بينها استمرار البنوك المركزية في تعزيز احتياطاتها من الذهب، وتوجه المستثمرين في الصين إلى المعدن الأصفر كملاذ آمن بعد أزمة سوق العقارات.
من جهته، رأى جون هيجينز، كبير الاقتصاديين في "كابيتال إيكونوميكس"، أن حتى هذه المحركات محدودة التأثير، مشيرًا إلى أنه لا يتوقع عودة حصة الذهب في الاحتياطيات العالمية إلى مستوياتها السابقة. وأضاف أن صعود سوق الأسهم الصينية قد يقلل من جاذبية الذهب لدى المستثمرين هناك. كما رفض هيجينز فرضية "تجارة خفض قيمة العملة"، موضحًا أن فترة صعود الذهب بين أغسطس وأكتوبر شهدت استقرار الدولار وارتفاع عوائد السندات الأمريكية، ما يعني أن الارتفاع كان مدفوعًا بموجة مضاربة لا أكثر.
اختبار حقيقي أمام الذهب
في المقابل، ما زال بعض المحللين يتبنون نظرة متفائلة، إذ يتوقع الخبير إد يارديني، رئيس شركة "يارديني للأبحاث"، أن تصل أسعار الذهب إلى 5 آلاف دولار بحلول 2026، وربما 10 آلاف دولار قبل نهاية العقد، مستندا إلى دور الذهب كأداة تحوط ضد التضخم، وكمخزن للقيمة في ظل الاضطرابات الجيوسياسية وابتعاد البنوك المركزية عن الدولار.
وبينما تختلف الرؤى حول مستقبل المعدن النفيس، يتفق المحللون على أن فورة الذهب الأخيرة قد تكون بلغت ذروتها، وأن مرحلة "الانفجار المصغّر" باتت قريبة، ما يضع الذهب أمام اختبار حقيقي بين المضاربة والطلب الفعلي.
