احتضنت جوهانسبورغ (مدينة الذهب بلغة الزولو) أشغال قمة مجموعة العشرين (G20) يومي 22 و23 نوفمبر الجاري، في سابقة تاريخية على أرض إفريقية، ما اعتبره مراقبون فرصة مثالية أمام الأفارقة لبسط قضايا ومشاكل القارة أمام أنظار المشاركين في أهم منتدى اقتصادي عالمي.
اختارت هذه الدورة شعار "التضامن والمساواة والاستدامة"، في استلهام واضح لفلسفة "أوبونتو" الإفريقية (أنا ما أنا بسبب من نحن كلنا) التي تؤكد على الترابط الإنساني العميق، أملا في أن يساعد ذلك على مواجهة أزمات القارة.
ما الذي يقوض قدرة الدول على إطلاق تنمية حقيقية؟
هيمنت معضلة الديون على أجندة القمة بعدما أضحى عقبة أمام أكثرية دول القارة، فإحصائيات الاتحاد الإفريقي تفيد أن ديون القارة بنهاية عام 2024 بلغت ما يقارب 1.815 تريليون دولار، التي دفع لأجلها نحو 163 مليار دولار كخدمة دين سنوية.
وفي مؤشر دال للأمم المتحدة حول الإنفاق على خدمة الدين في إفريقيا بين عامي 2021 و2023، بلغت فوائد الديون 70 دولار للفرد، مقابل 63 دولارا و44 دولارا للفرد كإنفاق على التعليم والصحة على التوالي، ما يقوض قدرة الدول على إطلاق تنمية حقيقية.
جزء من أزمة الدين مرتبط بعوامل خارجية لا دخل لدول القارة فيه، فالدول الإفريقية تدفع أعلى فائدة في العالم خلال الاقتراض رغم نضوج أسواقها، وذلك بسبب وكالات التصنيف الائتماني المتحيز ضد القارة، ما حدا بخبراء في مؤسسة أفريكا فاينانس إلى ابتكار وصف "علاوة التحيز".
الدول الإفريقية تدفع أعلى فائدة في العالم خلال الاقتراض رغم نضوج أسواقها، وذلك بسبب وكالات التصنيف الائتماني المتحيز ضد القارة، ما حدا بخبراء في مؤسسة أفريكا فاينانس إلى ابتكار وصف "علاوة التحيز"
تكاليف الاقتراض ترتفع متى تواجدت الدولة في إفريقيا
إن تكاليف الاقتراض في إفريقيا تعكس اعتبارات أخرى، فحين تحتاج أي دولة إفريقية إلى قرض لتمويل مشروع عليها أن تدفع أسعار فائدة أعلى بكثير من أي دولة أوروبية. ويعزى ذلك أساسا لتصنيف الوكالات الكبرى للائتمان، ما يكلف القارة نحو 75 مليار دولار سنويا تكاليف اقتراض إضافية.
تقدم الوكالات أكثر من مبرر لإضفاء الشرعية على هذا التوجه؛ بدءا بسجل التخلف عن السداد في دول إفريقيا (غانا، زامبيا..)، وحداثة دول القارة بسوق الدين العالمية، فضلا عن كثرة الاضطرابات السياسية في المنطقة. دفوع غير مقنعة، فمثلا تكاليف الاقتراض تختلف بين دول ذات تصنيفات مماثلة، حيث ترتفع متى وجدت الدولة في إفريقيا.

إنشاء "هيئة دولية للتفاوت الطبقي"
في ذات السياق، أفادت دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي صدرت شهر يوليو الماضي أن دول إفريقيا جنوب الصحراء على سبيل المثال تدفع نحو 0,5% أكثر في سوق السندات من الدول ذات التصنيف المماثل.
لذلك تترافع بريتوريا في قمة العشرين من أجل إنشاء "هيئة دولية للتفاوت الطبقي" تعمل على تقليص من حجم التفاوت الطبقي في العالم، فهذه التفاوتات أزمة عالمية تهدد الديمقراطية والتماسك الاجتماعي، ما يتطلب بحسب الخبير الاقتصادي جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل حزما في مواجهة اللامساواة، وإلحاحا لا يقل عن ذاك المرتبط بأزمة المناخ.
تصر جنوب إفريقيا على تصدر قضايا ومشاكل الجنوب الجنوب العالمي لأجندة قمة جوهانسبورغ، حتى تسجل في لائحة القمم الاستثنائية في مسيرة المجموعة، في محاولة لتكرار سيناريو قمة العشرين في الرياض التي تزامنت مع فيروس كورونا، حيث نجحت السعودية حينها في احتضان قمة استثنائية كان لمخرجات بالغ الأثر في عودة الحياة بعد الجائحة.

