في مطلع الشهر الجاري، أعلنت كينيا وإثيوبيا عن اتفاقيات غير مسبوقة لإعادة هيكلة جزء من ديونهما المستحقة للصين ليتم سدادها باليوان بدلا من الدولار، في خطوة تمثل تحولا لافتا في توجهات القارة الإفريقية النقدية.
أكدت وزارة الخزانة الكينية أن ما قيمته 3.5 مليار دولار من ديونها الثنائية مع الصين سيعاد جدولتها ضمن آلية "المقايضة باليوان"، بينما فتحت أديس أبابا مفاوضات لتحويل جزء من ديونها البالغة 5.38 مليارات دولار إلى العملة الصينية.
دول إفريقية أخرى سارت في الاتجاه ذاته، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
في يوليو الماضي، وقع البنك المركزي المصري اتفاقا مع نظيره الصيني لتوسيع استخدام اليوان في التسويات التجارية وإصدار سندات مقومة به.
أما نيجيريا، فقد جددت صفقة تبادل عملة بقيمة 15 مليار يوان، وأبرمت جنوب إفريقيا قرضا جديدا مع بنك التنمية الصيني بقيمة 2.1 مليار يوان.
متنفس من ضغوط الفائدة
هذه التطورات تعكس ملامح تحول في النظام المالي الإفريقي، إذ تتسارع الدول نحو تنويع أدواتها النقدية وتخفيف اعتمادها على الدولار الأمريكي، في ظل تزايد الشراكات الاقتصادية مع الصين التي تعد أكبر دائن وشريك تجاري للقارة.
الدكتورة باتريشيا كلير، أستاذة الاقتصاد الدولي، ترى أن هذه الخطوة "تمنح الاقتصادات الإفريقية متنفسا من ضغوط أسعار الفائدة المرتفعة".
لكنها أكدت لـ"الاقتصادية" أن نجاحها "يرتبط بقدرة القارة على زيادة صادراتها إلى الصين لتأمين تدفقات كافية من العملة الصينية"، مشيرة إلى أن البنك الدولي صنف ديون إثيوبيا أخيرا بأنها غير مستدامة، بسبب ضعف الصادرات وتراجع الاحتياطات النقدية، فيما تواجه كينيا صعوبات مشابهة.
خلال العقد الماضي أصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر لإفريقيا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين العام الماضي نحو 300 مليار دولار، منها 180 مليارا صادرات صينية، بينما ارتفعت الصادرات الإفريقية إلى الصين مستفيدة من سياسة الإعفاءات الجمركية التي أقرتها بكين للدول الأقل نموا.
إعادة تشكيل للخريطة النقدية العالمية
لكن التبادل التجاري ليس وحده محور العلاقة. فقد شهد العام الجاري توسعا ملحوظا في انضمام المؤسسات المالية الإفريقية إلى نظام الدفع الصيني العابر للحدود المعروف اختصارا باسم "CIPS"، وهو النظام الذي أسسته الصين كبديل لمنظومة "سويفت" الغربية. ومع هذا الانضمام بات تنفيذ التحويلات عبر اليوان يتم بصورة أسرع وأكثر استقلالا عن الدولار.
الخبير المصرفي باتروث بيرسون يرى أن "ما يحدث خطوة لتشكيل تدريجي للخريطة النقدية العالمية"، موضحا لـ"الاقتصادية" أن البلدان الإفريقية "تتطلع إلى عالم متعدد الأقطاب ماليا وبدائل تقلل من الهيمنة الغربية".
تشير البيانات إلى أن نظام الدفع الصيني يربط أكثر من 1600 مؤسسة مالية في أكثر من 120 دولة، فيما ارتفعت القروض الخارجية المقومة باليوان إلى نحو نصف تريليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية.
الباحث في النظم المالية نيل كورين يرى أن الأمر "يتجاوز قرارات إفريقية منفردة"، معتبرا أن "الصين تتخذ من إفريقيا ساحة اختبار لعولمة اليوان"، لكنه يحذر من أن "القيود المفروضة على حرية تحويل العملة تظل عائقا أمام تحويل اليوان إلى عملة احتياطية عالمية". يقول لـ"الاقتصادية"
وبينما يصف خبراء هذا الاتجاه بأنه خطوة نحو نظام نقدي متعدد الأقطاب، يرى آخرون أنه بداية لإعادة توزيع القوة المالية بين الشمال الغني والجنوب الساعي للاستقلال النقدي، في عالم بات يبحث عن بدائل أكثر توازنا بعد عقود من هيمنة الدولار.

