لطالما قيل إن "سوق الأسهم لا تجسد حقيقة الاقتصاد، وإن وول ستريت لا تعبّر عن معاناة الشارع الأمريكي"، لكن هذا الخط الفاصل بينهما أصبح أكثر ضبابية من أي وقت مضى.
يعود ذلك إلى أن ارتفاع أسعار الأصول يحفز المستهلكين على الإنفاق بحرية أكبر من ذي قبل، ويمثل الاستهلاك نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي. في الواقع، ما يُسمى بـ "تأثير الثروة" ازداد قوة في السنوات الـ 15 الماضية فقط.
بحسب تقرير حديث صادر عن برنارد ياروس، كبير الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس، إن كل زيادة بنسبة 1% في ثروة الأسهم تؤدي إلى ارتفاع إنفاق المستهلكين بنسبة 0.05%، أي إن كل دولار واحد يضاف إلى ثروة المستثمرين في الأسهم يرفع إنفاقهم بمقدار 5 سنتات. وقبل 2010، لم تكن هذه النسبة تتجاوز 0.02%، وفقا لمجلة فورتشن.
في الوقت نفسه، فإن كل دولار واحد من زيادة ثروة المنازل يقابله ارتفاع في الإنفاق بنسبة 0.04%، مقارنة بـ 0.03% قبل عقد ونصف.
قال ياروس: "مع رؤية الأسر لزيادة ثروتها، تصبح أكثر تفاؤلًا بشأن وضعها المالي الشخصي وتميل أكثر إلى الإنفاق بسخاء"، سواء من خلال السحب من ملكية المنازل أو بيع الأسهم للاستفادة من قيمتها المرتفعة.
ويرى أن هذا التأثير سيزداد قوة في السنوات المقبلة مع اتساع شريحة المتقاعدين الذين يعتمدون بشكل متزايد على ثرواتهم بدلاً من دخولهم الشهرية. وبما أن هذه الفئة تملك ثروة أكبر من الأجيال الشابة، فإن إنفاقها سيبقى عنصرًا أساسيًا في دعم الاستهلاك الأمريكي.
إضافة إلى ذلك، أصبح انتشار الإعلام الرقمي عاملاً مضاعفًا لتأثير الثروة، إذ باتت مشاعر المستهلكين تتأثر بشكل أسرع بالأخبار المتعلقة بالأسواق، فكل ارتفاع في مؤشرات الأسهم يعزز التفاؤل ويحفز الإنفاق، والعكس صحيح.
تفسير آخر لقوة الإنفاق رغم تباطؤ بعض قطاعات الاقتصاد هو الارتفاع الكبير في أسواق الأسهم، خاصة في أسهم الذكاء الاصطناعي. فقد قفزت أسهم شركات مثل إنفيديا ومايكروسوفت وجوجل إلى مستويات قياسية، ما أسهم في خلق ثروة جديدة بمليارات الدولارات.
بناءً على حساباته المتعلقة بنسب الثروة إلى الإنفاق، قدّر ياروس أن مكاسب سوق الأسهم في العام الماضي من قطاع التكنولوجيا وحده ستعزز الاستهلاك السنوي بنحو 250 مليار دولار، وهو ما يمثل أكثر من 20% من الزيادة التراكمية في الإنفاق.
قدر محللو جي بي مورجان أن الأسر الأمريكية حققت 5 تريليونات دولار من الثروة الجديدة من خلال 30 سهمًا مرتبطًا بالذكاء الاصطناعي، ما رفع الإنفاق السنوي بنحو 180 مليار دولار.
ورغم أن هذا يمثل أقل من 1% من إجمالي الإنفاق الاستهلاكي، إلا أن الرقم قد يرتفع إذا توسعت مكاسب السوق إلى قطاعات وأصول أخرى مثل العقارات.
لا يقتصر تأثير الثروة على الأغنياء فقط. فوفقًا لمسح أجرته مؤسسة بلاك روك وكومنويلث، فإن أكثر من 54% من الأمريكيين الذين تراوح دخولهم بين 30 و79 ألف دولار سنويًا يستثمرون الآن في الأسواق المالية، وأكثر من نصفهم بدأ الاستثمار خلال السنوات الخمس الماضية.
من المؤكد أن الأثرياء ما زالوا ينفقون معظم الأموال، وقد وجدت دراسة أجرتها وكالة موديز أن أعلى 10% من أصحاب الدخل شكلوا نصف الإنفاق في الربع الثاني، وهو رقم قياسي.
أوضح مايكل براون، كبير إستراتيجيي الأبحاث في شركة بيبرستون، أن ما يحدث يعود إلى أثر الثروة الناتج عن مكاسب الأسهم والعقارات وكذلك الفوارق في الدخل.
ووفقًا لبراون، فإن الاقتصاد أصبح يعتمد بشكل متزايد على الإنفاق التقديري للأثرياء، في حين يرتبط هذا الإنفاق بدوره بأداء الأصول عالية المخاطر.
وهذا يجعل صانعي السياسات النقدية في البنك الاحتياطي الفيدرالي والسلطات التشريعية في الكونجرس أكثر حافزًا لدعم سوق الأسهم، لأن تأثير الثروة يمكن أن يتحرك بالعكس، ما يعني أن انخفاض أسعار الأصول سيبطئ الإنفاق ويضعف الاقتصاد.
العلاقة المتبادلة بين سوق الأسهم وإنفاق المستهلكين تؤدي إلى تعزيز هيكل الحماية للأصول، مع استمرار التحفيز المالي وتيسير السياسات النقدية، كما يقول براون.
