يبدو أن شهر أكتوبر حافظ على سمعته التاريخية كـ«شهر الانهيارات»، لكن المفارقة هذه المرة أن السقوط لم يأتِ من سوق الأسهم، بل من عالم العملات الرقمية، وتحديدا "بيتكوين".
في يوم الأحد الماضي، هبطت العملة الرقمية الأكبر في العالم 15.4% من أعلى مستوى كانت قد سجلته قبل أيام قليلة، وهو تراجع يفوق ما حدث في انهيار 1929 عندما خسر مؤشر «داو جونز» الصناعي 12.8% من قيمته، وفقا لماركت ووتش.
صُدم العديد من مُحبي العملات الرقمية بهذا الانخفاض، وبذلوا جهودا كبيرة لتجاهله باعتباره حدثا عارضا ناتجا عن عوامل خاصة. لكن، وفق تحليل اقتصادي يستند إلى نظرية علمية منشورة في مجلة ناتشور عام 2002 بعنوان "نظرية توزيع القوة في تقلبات الأسواق المالية"، فإن ما حدث ليس استثناء بل هو جزء طبيعي من سلوك الأسواق.
تشير هذه النظرية إلى أن الانهيارات سمة متكررة عبر مختلف الأسواق المالية، مهما اختلف نوعها أو حجمها أو موقعها الجغرافي، إذ أظهرت الدراسة أن تكرار وحجم الانهيارات متشابهان في جميع الحالات، ما يعني أن هناك أساسا نظريا عامًا يحكم هذه الظواهر.
ويعزو الباحثون هذا النمط إلى سيطرة كبار المستثمرين على الأسواق، حيث تؤدي قراراتهم الجماعية بالبيع في الوقت نفسه إلى انهيار الأسعار بشكل مفاجئ. أما محاولات الجهات التنظيمية لمنع هذه الانهيارات، فهي في أفضل الأحوال تؤجل الكارثة، لا أكثر.
هذا الإطار النظري يضع في منظور جديد الروايات التي تداولها أنصار البيتكوين لتفسير الانهيار الأخير. من بين تلك التفسيرات ما سُمّي بـ"الانهيار الخاطف"، حيث يحاول البعض التهوين من الأمر بالقول إنه مؤقت أو غير خطير، لكن الحقيقة أن جميع الانهيارات تكون «خاطفة» بطبيعتها لأنها تنطوي على خسائر ضخمة في وقت قصير جدًا.
رواية أخرى تزعم أن البيع كان محصورًا بين عدد محدود من كبار الملاك، ما أدى لاحقا إلى موجات بيع متتالية نتيجة أوامر وقف الخسارة وتجار الزخم. إلا أن النظرية العلمية نفسها تفيد بأن جميع الانهيارات تبدأ عندما يقرر كبار المستثمرين البيع بشكل متزامن، وهو ما حدث في حالة البيتكوين.
أما التفسير الثالث فيدّعي أن الانخفاض سببه ارتفاع المخاطر في السوق، لكن هذا بدوره لا يخرج عن القاعدة، إذ إن الإدراك المتزايد للمخاطر هو بالضبط ما يدفع المستثمرين الكبار للبيع.
في المحصلة، يثبت الانهيار الأخير أن سوق العملات المشفرة لا يختلف كثيرًا عن أسواق الأسهم من حيث القابلية لانفجارات مفاجئة في الأسعار. فالانهيارات ليست خللا مؤقتا، بل جزء لا يتجزأ من بنية الأسواق نفسها.