ما بين الشائعة وتسريب المعلومة
يبقى الخبر شائعة حتى يعلن ليصبح معلومة مؤكدة. لكن سرعان ما ينتشر هذا الخبر بين فئة قليلة ومحدودة قبل إعلانه فتستفيد منه على حساب فئة أخرى. إذاً هناك فرق بين الشائعة وتسريب المعلومة، حيث يشتري أحدهم سهم شركة ما ذات خسائر أو أداء مالي ضعيف بطريقة عشوائية أو عن طريق توصية صديق ليكتشف لاحقاً أن اختياره كان خاطئاً وأنه بدأ بتحمل الخسائر فيحاول إصلاح خطئه بخطأ أكبر, وذلك يكون بنشر شائعة بأن الشركة الفلانية ستقوم بزيادة رأس المال, أو أن المضارب الفلاني سيدخل في ذلك السهم. وللأسف فإن الكثير من المتعاملين سيصدقون تلك الشائعة وينقادون وراءها ليستيقظوا بعد ذلك نادمين على تصديق خبر عارٍ من الصحة والمصداقية. ولكن بينما يستيقظ هذا الفوج يأتي فوج بعده يريد الانضمام إلى هذا الفوج المتفائل ويشتري بأسعار مرتفعة لينقذ بها من تعلق قبله ويكمل مشوار الشائعة السابقة ويستمر الوضع على ما هو عليه حتى يتضاعف السعر مرات ومرات ليكتشف من جاء متأخراً أنها شائعة. وتبدأ محاولة الخروج بأقل الخسائر ليرجع السهم إلى محطته الأولى بانتظار ركاب جدد.
والمعروف أن المضارب يدخل بالسهم للربح السريع فهو غالباً لن ينتظر أكثر من أيام قليلة أو حتى ساعات ودقائق للخروج. وبذلك فإن الارتفاعات المستمرة والمتضخمة لهذه الأسهم على المدى الطويل ما هي سوى خسائر للكثيرين في معظم الأوقات، فيقوم أحدهم بشراء كمية من الأسهم بناءً على توصية ليخسر نصف رأسماله فيأتي بعدها صديق حميم يثق به ويوصي له بسهم آخر ليخرج من خسارته ويدخل بالآخر ليواجه كارثة خسارة النصف المتبقي. وبالتأكيد لا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك فئة مستفيدة من تلك الشائعات, إما عن دراية ودراسة لنشر تلك وإما أنها ضربة حظ.
هذا بالنسبة إلى الشائعة, وفي اعتقادي أن السيطرة عليها صعب للغاية إن لم يكن ذلك مستحيلا،ً على الرغم من وجود بند خاص في لائحة سلوكيات السوق الصادرة عن هيئة السوق المالية خاص بالشائعات وعدتها من المخالفات. ولكن من ناحية عملية إذا استمرّ خضوع المتعاملين للشائعة وعدم الاكتراث بالمبادئ والأبجديات الأساسية للاستثمار فإن أي لوائح أو قوانين لن تستطيع حمايتهم.
أما في حال حصول فئة معينة على المعلومة قبل غيرها فهذا يعد تسريباً للمعلومة ومن المخالفات التي تعاقب عليها أيضاً لوائح الهيئة بغض النظر عن مصدر المعلومة. حيث عدت لائحة سلوكيات السوق أن التداول بناء على معلومات داخلية مخالفة، كما عرفت المعلومة الداخلية على أنها تلك التي لم يتم الإعلان عنها للجمهور.
إذاً فالمعلومة تبقى داخلية قبل الإعلان عنها وعملية تسريبها مخالفة يعاقب عليها من قام بتسريبها والشخص الذي تداولها وقام بنشرها. ومن هنا يتحتم على كل شركة مدرجة في السوق وكل هيئة منظمة ولها علاقة بالسوق المالية السعودية وضع إجراءات وأنظمة خاصة بها تمكنها من معرفة المصدر الداخلي الذي أدى إلى تسرب المعلومة واتخاذ العقوبات اللازمة في حقه.
وفي النهاية, فإن الشائعة وتسريب المعلومة ذوا هدف واحد وهو الاستفادة قدر الإمكان على حساب الآخرين أو الربح على حساب خسارة الآخرين في ظل عدم وجود عدالة في توفير المعلومة للجميع في الوقت نفسه.
ختاماً: قام موقع "تداول" أخيرا بنشر إعلان يتعلق بشركة مجموعة أنعام الدولية القابضة يوضح قرار الهيئة حول وضع الشركة والإجراءات التي يجب اتباعها، وإلى الآن لا شيء جديد. لكن ما لا يقبله منطق السوق أن يتم نشر الخبر في المنتديات قبل خمس ساعات من نشره رسمياً في "تداول"، وستبقى السوق بعيدة عن الاستقرار في ظل بعض الممارسات الخاطئة التي أصبحت ظاهرة عامة في السوق المالية السعودية!
محلل مالي أول