سيارة المشاهير.. وصانعة مجد "شوماخر"
شهد عام 1947 أول ولادة لسيارة فيراري (الشهيرة). في ذلك العام أسس انزو فيراري شركته التي تعنى بسيارات السباق التي حملت اسمه وجعلته من الأساطير في عالم صناعة السيارات. واستمدت فيراري بريقها من تاريخها الكبير الحافل بالانتصارات في سباقات السيارات بأنواعها، وكان لمؤسسها الدور الأكبر في تعزيز مكانتها على الرغم من الظروف الصعبة التي مر بها وتركت تأثيرات كبيرة في حياته ومسيرة الشركة.
ولد إنزو فيراري في مدينة مودينا الإيطالية في 1898، وكان يذهب مع والده لمشاهدة سباقات السيارات الإيطالية التي كانت تقام قبل الحرب العالمية الأولى، وبعد نهاية الحرب عمل في شركة إيطالية تحمل اسم سي إم إن، وهذه الشركة الصغيرة كانت تعنى بتحويل أجسام الشاحنات إلى سيارات سباق صغيرة، وشارك انزو مع فريق الشركة في عدة سباقات فاز في بعضها.
بعد ذلك انتقل إنزو إلى العمل عند الفاروميو، وشارك في العديد من السباقات بسيارات الشركة التي كانت الأشهر في هذا المجال خلال تلك الفترة. وفي عام 1923 فاز في أحد السباقات بسيارة حملت شعار الحصان، وهذا الشعار كان مثبتا في الأساس على طائرة خاصة بأحد أبطال الحرب العالمية الأولى، وقامت والدته بإهداء الشعار إلى إنزو ليصبح فيما بعد شعار فيراري الشهير.
واستمر إنزو في العمل لدى الفاروميو وفي مجال تطوير المحركات بالذات لغاية عام 1937 حين ترك الشركة وأسس متجرا متخصصا في لوازم سيارات السباق وتجهيزاتها، وخلال تلك الفترة بدأت تراوده فكرة إنتاج سيارة خاصة به تحمل اسمه، وهو ما حصل في عام 1947 حين أنتج أول سيارة حملت تسمية فيراري 125 التي كانت أول سيارة مخصصة للطرقات ينتجها فيراري، وزودت هذه السيارة بمحرك مكون من 12 أسطوانة تبلغ سعته 1.5 ليتر، واعتبرت هذه السيارة تحفة فنية في وقتها.
وعلى الرغم من رغبته في تسويق سياراته إلا أن إنزو فيراري كان يبدي شعوراً بالنفور تجاه زبائن سياراته كونه كان يعتبر أن هدفهم الأساسي من اقتناء سياراته هو الزهو والشعور بالفوقية، وليس للتمتع بأداء هذه السيارات الذي كان استثنائيا في تلك الفترة على الرغم من محاولات العديد من شركات السيارات تقديم طرازات ذات أداء أقوى ومنها على سبيل المثال (بيغاسوس) الإسبانية التي لم يكتب لها النجاح وذهبت طي النسيان.
وشاركت فيراري في بطولة العالم للفورمولا واحد منذ تأسيسها بصيغتها الأولى عام 1950، واستطاعت سيارات الشركة تحقيق الفوز الأول في عام 1951 خلال جائزة بريطانيا الكبرى، وفي عام 1953 فازت سيارات الشركة بلقب البطولة، وتوالت بعد ذلك انتصارات الشركة وقاد لها العديد من السائقين المعروفين مثل (خوان مانويل فانجيو)، ولم تقتصر مشاركة الشركة على بطولة الفورمولا واحد، بل تعدتها إلى المشاركة في سباقات متنوعة شهيرة أبرزها سباق لومان الشهير الذي استطاعت الشركة تحقيق الفوز فيه 14 مرة.
مرحلة الستينيات كانت بداية المشاكل الاقتصادية التي عانت منها فيراري كثيراً وكانت السبب في تبدل استراتيجية الشركة على المدى الطويل، فمن أجل مواجهة هذه المشاكل عرض إنزو فيراري جزءاً من شركته للبيع، وتقدمت فورد في عام 1963 بعرض لشراء الشركة بمبلغ 18 مليون دولار، ولكن فيراري رفض كون المبلغ المعروض كان يقلل من قيمة فيراري، إضافة إلى شعوره القومي الذي كان يسيطر عليه مخافة سيطرة الأمريكيين على الشركة، واستطاعت فيات في عام 1965 الحصول على نسبة صغيرة من أسهم الشركة سرعان ما وسعتها في عام 1969 حين أصبحت تملك 50 في المائة من أسهم الشركة.
وبقي إنزو فيراري يدير الشركة حتى عام 1971 حين تخلى عن مسؤولياته ليتفرغ لمشاريع الشركة الرياضية، واستطاعت الشركة الفوز في عدة بطولات للفورمولا واحد وأبرزها في عام 1975 مع السائق النمساوي (نيكي لاودا) وبعدها كان الفوز بصعوبة في بطولة عام 1979 التي قامت على أسس ومعايير جديدة مع السائق الجنوب إفريقي "جودي شيكتر".
وفي عام 1982 استطاعت فيراري إنتاج سيارة فورمولا واحد بمواصفات خارقة وتم دعمها بسائق مميز كان محط رعاية إنزو فيراري الشخصية، وهو الكندي "جيل فيلنوف" الذي لم يسعفه القدر، وتعرض لحادث قاتل خلال التجارب التأهيلية لسباق بلجيكا على حلبة "زولدر".
في السنوات التالية غابت فيراري عن المراكز الأولى في سباقات الفورمولا واحد، وهو ما ترك غصة في قلب إنزو فيراري الذي توفي في 1988 عن عمر ناهز التسعين عاماً. 1988 كان تاريخا فريدا في سباقات الفئة الأولى حيث سيطرت "ماكلارين هوندا" على 16 من أصل 17 سباقا تكونت منها البطولة، والفوز الوحيد الذي هرب منها إذا صح التعبير كان من نصيب فيراري التي استطاعت الاستحواذ على المركزين الأول والثاني في جائزة إيطاليا الكبرى وبعد أسبوع واحد من وفاة إنزو فيراري.
في عام 1988 أيضاً رفعت فيات حصتها في فيراري الى 90 في المائة، وبقيت 10 في المائة في ملكية ورثة فيراري. وفي عام 1995 قررت فيراري اتباع استراتيجية جديدة في الفورمولا واحد من خلال تغيير هيكلية الفريق وتعيين الفرنسي "جون تود" مديراً فنياً وهو الذي أدار فريق بيجو بنجاح في مشاركاتها الرياضية، وتعاقد الفريق مع الألماني "مايكل شوماخر" الذي كان قد فاز في بطولة العالم لمرتين متتاليتين مع فريق "بنيتون"، وبدأ الفريق الرحلة من الصفر وخلال عام واحد عاد فريق فيراري إلى دائرة الضوء وبدأت الانتصارات تتوالى حتى توجت في عام 2000 عندما أحرز الألماني بطولته الأولى مع الفريق الأحمر، واستطاع المحافظة على لقبه لأربع سنوات متتالية.
وفيما يتعلق بسيارات الإنتاج، فسيارات الشركة تعد أساطير بذاتها، وفكرة إنتاج سيارة جديدة لدى فيراري تعد تجربة فريدة من نوعها، وعلى مدار السنوات كانت هناك العديد من السيارات التي استطاعت حفر اسمها في عالم صناعة السيارات الرياضية، ومن هذه السيارات طراز 250 جي تي أو التي زودت بمحرك مكون من 12 أسطوانة تبلغ سعته ثلاثة ليترات،
ومن السيارات الشهيرة أيضاً في تاريخ الشركة طراز 365 جي تي بي الذي عرف باسم "دايتونا" وهذا الطراز تم إنتاجه بين عامي 1968 و 1973 وكان من تصميم المصمم الإيطالي "بينن فارينا" الذي سيصمم جميع سيارات فيراري خلال الفترة اللاحقة.
وطراز دايتونا زود بمحرك مثبت في الأمام مكون من 12 أسطوانة تبلغ سعته 4.4 ليتر، وهو يلقم بالوقود بواسطة 6 خوالط (ويبر) ويولد هذا المحرك 352 حصاناً، وهو يصل بالسيارة إلى سرعة قصوى تبلغ 280 كيلومترا في الساعة.
ومن السيارات المميزة في تاريخ الشركة طراز إف40 الذي أنتج بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس الشركة، وهذا الطراز الذي جاء خلفاً لطراز 288 جي تي أو يعد من أفضل السيارات في تاريخ فيراري، ومن أقوى سيارات الشركة، وتم تزويد هذه السيارة بمحرك مشحون مكون من 12 أسطوانة تبلغ سعته 2.8 ليتر وهو يولد طاقة تبلغ 478 حصانا. وتميزت هذه السيارة بجسمها المصنوع من ألياف الكربون والألمنيوم، ومن السيارات المميزة في تاريخ الشركة طراز إنزو الذي حمل اسم مؤسس الشركة، وهذا الطراز يعتبر سيارة فورمولا واحد مخصصة للطرق خاصة أن المحرك هو نفسه المعتمد في سيارات الفريق الرياضي.
وخلال العامين الماضيين استبدلت الشركة مجموعة سيارات الإنتاج الخاصة بها، وهي تنتج حالياً طراز أف 430، و599 جي تي بي، إضافة إلى طراز 612، كما أنتجت الشركة نسخة خاصة من سيارات إنزو حملت تسمية "إف إكس إكس" تصل قوتها إلى 800 حصان، وهي تباع بسعر يزيد على المليون دولار.
في الختام، يمكن اعتبار الفترة الحالية العصر الذهبي لشركة فيراري، حيث إن مبيعاتها ارتفعت بنسبة عالية، كما أن مشاركة الفريق في سباقات الفئة الأولى تبقى ناجحة مع المنافسة على صدارة بطولة العالم هذا الموسم. واليوم تمتلك مجموعة فيات الإيطالية 85 في المائة من أسهم فيراري التي تشرف بدورها على مازيراتي، كما أن شركة "مبادلة" الإماراتية تمتلك حصة تقدر بـ 5 في المائة من أسهم الشركة، فيما تبقى نسبة 10 في المائة المتبقية بحوزة "بييرو" وهو الابن غير الشرعي لإنزو فيراري.