الصين تتحرك بقوة في القارة الإفريقية

الصين تتحرك بقوة في القارة الإفريقية

الصين في إفريقيا... هذه الجملة قد يعدها علماء الجغرافيا نوعا من الهزل اللطيف أما خبراء سياسات التنمية فينظرون إليها على أنها حقيقة واقعة حتى إنه لم يعد أي مؤتمر أو لقاء على الصعيد الدولي إلا ويناقش الدور الجديد للصين في القارة السمراء. وتظهر التساؤلات تلو التساؤلات: ماذا يدفع الصينيين لتعزيز تواجدهم هناك وتقديم عروض بمساعدات تنمية وهم أصلا يتلقون مساعدات تنمية من ألمانيا؟ وكيف تؤثر هذه المجريات في القارة الإفريقية ؟ والأكثر من هذا يتساءل المانحون التقليديون: ماذا تعني المنافسة الجديدة الوافدة من الشرق الأقصى بالنسبة إلى عملهم وهل يمكن حينها الحفاظ على معايير منح المساعدات؟
والحقائق تتكلم وتجيب عن كل هذه الأسئلة فالصين حاليا تعد واحدة من أكبر الدول المانحة للمساعدات في إفريقيا بما يعادل أخيرا نحو 1.2 مليار دولار، تحتل المركز الثاني بعد ألمانيا في مجال المساعدات الثنائية لكنها تتميز عنها بأنها تدعم مشاريع بنية تحتية كبيرة في إفريقيا في حين يفضل الألمان منح القروض الصغيرة من أجل إقامة منشآت تخص الطاقة الشمسية مثلا.
أما الصينيون فإنهم يضمنون مساعدات الميزانية ويمولون إقامة مشاريع ملموسة مثل الشوارع والسكك الحديدية والموانئ ومحطات توليد الطاقة والسدود. وهم يقومون بصنع هذا بأنفسهم وبأيديهم حيث يُقدّر عدد العمال الصينيين في مجال التنمية في إفريقيا بنحو 80 ألف عامل.
ولا يخجل الصينيون كذلك من تمويل مشاريع أخرى غير إنتاجية مثل إقامة قصور حكومية أو ملاعب رياضية. ويقول الغرب إن الصين تتجاهل أو تتعامى عن حقيقة إن كانت المشاريع والاستثمارات إنتاجية حقا أو كانت تضرّ بالبيئة أو كانت تنفع الفقراء في مناطق الريف. وبعد كل هذا لا يكف الغرب عن البحث عن إجابة لهذا السؤال:كيف يمكن أن تسدد قيمة تلك القروض الممنوحة؟
إن الصينيين يبدون متحررين من الخوف من هذه النقطة فخلافا للمانحين الآخرين التابعين لسلسلة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - OECD، لا يربط الصينيون منحهم المالية بشروط سياسية مثل محاربة الفساد أو رفع مستوى معيشة الأفراد وهو ما يتعارض بوضوح مع النهج الذي يتبعه الغرب لمنح الأموال. ونضرب مثالا على هذا بما يحدث في زيمبابوي فبعد أن انسحبت الدول الغربية بسبب ما يوصف بأنه سلوك استبدادي من قبل الرئيس روبرت موجابي نجد أن الصين سارعت من أجل ملء هذا الفراغ وتكفلت ليس فقط ببناء قصر جديد لموجابي في العاصمة هراري بل أيضا بتزويده بالسلاح، وفي المقابل وضع الصينيون أيديهم بسهولة على مخزون النحاس في البلاد.
إن الصين ترفع في هذه الحالة شعار ( قدّم المساعدات لتساعد نفسك أيضا ) وهو شعار يحظى بصدىً جديد جداً نظراً للسلوك الصيني في إفريقيا. فهي تمنح قروضها الدول الفقرية لكنها في الوقت ذاته غنية بالمواد الخام وهذه المواد تؤمن للصين ما تحتاجه في مسيرتها التنموية لتحقيق المزيد من الازدهار. ومن خلال هذا المنظور يُفترض أن يتم ربط شراء النفط الخام من أنجولا بقروض منخفضة الفائدة بما يعادل ملياري دولار وبالإضافة إلى هذا من المفترض أن يتضاعف عقب 12 شهرا لاحقاً.
بالنسبة إلى الصين يمكن لهذه التجارة أن تثمر: حيث يتمكن المرء بهذا الأسلوب من تحقيق الأمان في التزويد، ويحقق لنفسه سوقا ترويجية جديدة، ويحظى على الصعيد الدولي بدعم سياسي كبير. وفيما إذا كانت الدول الإفريقية تستفيد بالقدر نفسه، يمكن أن تتبادر الشكوك حول هذا. ولابد أن تتوارى في غضون فترة وجيزة لأنه لم يتم توظيف المال المنبثق من الصين بصورة إنتاجية. ومن الممكن أن يكون الأمر قاسياً، إذا كان إلغاء الديون للدول الفقيرة في غضون الفترة القصيرة سيتم صرفه في الوقت ذاته عن طريق قروض جديدة.
ولكن بالفعل ليس سوى هذا الخطر الذي يمكن رصده في إفريقيا. ولكن كذلك الدول الصناعية القديمة تريد التركيز بقوة أكبر على إفريقيا، بهدف الاقتراب أكثر من الهدف، وهو التخلّص من الفقر الموجود في العالم حتى النصف حتى عام 2015. وبما أنهم يريدون أن يرصدوا في الوقت ذاته وسائلهم التنموية بإجمالها إلى حدٍ كبير، يمكن أن يتدفق على إفريقيا السوداء من ذلك المصدر وحده ضعف ذلك. وليس بلا سبب حذرت هيئة التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - OECD، أخيرا من أن بعض الدول الإفريقية في عام 2010 من الممكن أن تصبح متعلقة بقدر تاريخي وقياسي بوسائل التنمية. ولا تعمل العلاقة بين نفقات المساعدة والقوة الاقتصادية على النمو بصورة محدودة، دون أن تمنع الرعاية المستمرة من الخارج، ضغط إعادة الهيكلة الضرورية في الدول المستقبلة. وقد أشارت الدراسات، إلى أن الدول التي تم تزويدها بصورة مكثفة بخاصة مثل تنزانيا، قد تطوّرت بصورة أبطأ بكثير من غيرها من الدول.
وعلى الدول المانحة القديمة، كيف يجب عليها أن ترد وتتعامل مع التحديات الصينية في إفريقيا. وترتكز القواعد المشتركة على عقود التنمية السياسية من التجربة والخطأ. وعندما تتمسك بالفهم الأصلي للمساعدات والمساعدات الذاتية، لا يمكن أن تعمل حينها على حفظ معاييرها. ويمكن لألمانيا أن تتعامل مع الأمر على نحوٍ مختلف أيضاً. عليها إنهاء العمل التعاوني ذي السياسة التنموية مع الصين التي تمتلك في الوقت الراهن أكبر احتياطي حصص في العالم، إن الوقت مناسب لذلك.

الأكثر قراءة