جائزة المسؤولية الاجتماعية
بالأمس القريب تم اختيار لجنة التحكيم لجائزة الأمير مقرن للمسؤولية الاجتماعية. ورغم تفاؤلنا كالعادة بهذا الإعلان إلا أننا نقف هنا وقفة تأمل حتى لا يكون مآل هذه الجائزة كغيرها من الجوائز. فالعديد من جوائز المسؤولية الاجتماعية للشركات وإن كانت مستمرة إلى الآن فإنها لم تنجح في تحقيق الغرض من إنشائها.
ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها: أولا، غياب تعريف موحد للمسؤولية الاجتماعية للشركات، فالتعريف المتداول لا يفرق بين المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع السائدة في برامج معظم الشركات. التي نجد أنها حتى الآن لم تحقق مستوى التأثير المطلوب الذي يمكن أن يحدث فرقا جوهريا، على الأقل يقارب ما يعلن عنه عند إطلاق المبادرة. إن تعريفنا للمسؤولية الاجتماعية يعبر عن رؤيتنا وأهدافنا لها ومتى ما تم تحديد التعريف بشكل يعكس دور قطاع الأعمال في تحقيق الأهداف الوطنية، تأتي مرحلة وضع المعايير الدقيقة التي يمكن اعتبارها السبب الرئيسي الثاني لمحدودية نجاح جوائز المسؤولية الاجتماعية، مع مراعاة الفروقات القطاعية والفروقات من ناحية الحجم. ويعتبر وضع المعايير من أهم أسباب تشجيع الشركات على تبني أفضل الممارسات، التي من شأنها وضع حلول لتحديات التنمية الوطنية. هذه المعايير يجب أن تكون ضمن المعايير المعمول بها دوليا مع ضرورة اكتساب تلك المعايير الصبغة المحلية. وإذا ما نجحنا في تحقيق ذلك كله نكون قد نجحنا في وضع أساس متين يمكن من خلاله تقييم المبادرات والوصول إلى أفضلها.
ومن ثم يمكننا وضع جائزة للمسؤولية الاجتماعية التي هي عبارة عن تكريم لرحلة من العمل الجاد في سبيل تطبيق المعايير المحددة مسبقا. وكذلك الابتكار والإبداع في سبيل الوصول إلى أفضل البرامج والمبادرات التي تحقق أكبر قدر من الفاعلية. ونحن في هذا المقال اخترنا توجيه عدد من الرسائل للجنة المشرفة على الجائزة.
الرسالة الأولى، جودة المخرجات المقيسة بمستوى التأثير لا كم المخرجات المقاس بمقدار الإنفاق. إن هذه القاعد أصبحت هي القاعدة الذهبية والمرجع في الحكم على أي مبادرة للمسؤولية الاجتماعية للشركة حيث إننا في المملكة لا نعاني من محدودية الإنفاق، بل إنه يوازي أكبر مستويات الإنفاق العالمية، إلا أن جميع شرائح وفئات المجتمع التي هي الهدف من الأساس لهذا الإنفاق لم تلمسه على الأرض وبذلك يصبح هذا الإنفاق الكبير كاستثمار محدود العوائد إن كانت هناك عوائد من الأساس. لذا لا بد لتلك الجائزة وغيرها من الجوائز بشكل عام أن تركز في جميع معاييرها على الجودة والنوعية وأن يكون القياس ضمن معايير واضحة وشفافة.
الرسالة الثانية، الجائزة تكريم للشغف والتفاني والابتكار في المبادرات لا الحملات الدعائية الضخمة التي تهدف بشكل حصري إلى تعزيز سمعة الشركة فوق أي اعتبار. ورغم أنه لا يمكن إنكار مستوى تأثير الحملات الإعلانية الضخمة والقدرات الدعائية للشركات على التأثير في تحديد مسار الجوائز المقدمة. إلا أننا نستطيع أن نحد من هذا التأثير من خلال عملية اختيار المعايير. إن المسؤولية الاجتماعية وإن كانت من أبرز معززات سمعة الشركة إلا أن الشركة يجب ألا تجعلها الغاية من إسهاماتها، وليكن شعارنا في ذلك الإسهامات الجيدة هي التي تؤدي إلى التعزيز من سمعة الشركة من خلال النتائج الملموسة.
الرسالة الثالثة، الوجود المؤثر للشباب، فلا يمكن استدامة هذا العمل دون أن تكون ثقافته قد أشربت من قبل الأجيال القادمة. إننا نأمل في حضور مميز للشباب ليس فقط على مستوى التكريم من خلال إحدى الجوائز التي تقدم لأفضل مبادرة شابة، بل على مستوى التنظيم لتلك الجائزة والإعداد لها، وحبذا لو تقدم الشركات بعض المتحدثين الشباب للتحدث عن فلسفة الشركة للمسؤولية الاجتماعية والآفاق المستقبلية لها.
إن هذه الجائزة يمكن أن تكون معلما من معالم مساهمة القطاع الخاص في المسيرة التنموية .. المسؤولية الاجتماعية في المملكة. فنحن ننشد أن تكون هذه الجائزة محط الأنظار لجميع الشركات مثلها في ذلك مثل الجوائز الكبيرة المحلية التي اكتسبت سمعة عالمية. هذا ما جاد به القلم في مقال اليوم ودمتم بخير.