نحتاج دماء جديدة

[email protected]

من يتابع الشركات السعودية سواء داخل سوق الأسهم أو خارجه من الشركات العائلية, أو الجهات الحكومية من وزارات وهيئات وغيرها, يلحظ أن العدد الأكبر منهما يسيطر عليه منذ سنوات طويلة، بل عقود من السنوات, كبار سن ومتشبثون بهذه المقاعد بلا نهاية, فإما يقعدهم المرض وإما الوفاة, ونادر جدا أن تجد من يتخلى عن منصبه طواعية ويقول "هذا كل ما لدي" ويفسح المجال لغيره, بل يستمر ويستمر, سواء ربحت الشركة أو خسرت, والسبب أنه يملك حصة كبيرة من الأسهم أو "لوبي" من مجلس إدارة الشركة, وبالتالي يظل في سدة الإدارة بلا نهاية, وغالب هؤلاء في الشركات المتوسطة أو الصغيرة, وهم يديرون هذه الشركات كإدارة وملاك أسهم, أي مصالح متداخلة, ولن أدخل في قضية ما يجنون ويستفيدون ويحيكون ويعملون, لأن ببساطة ليس لديّ أوراق أو إثباتات إلا المشاهدة العامة وميزانيات الشركات التي تظهر نتيجة أعمالهم والأداء المقدم, فنجد شركات لم تراوح مكانها منذ عقود, ولم تسجل الشركة أي نمو لا مبيعات ولا أرباح ولا تعظيم حقوق ملاك, ومع ذلك يظل في الشركة, وكل جمعية عمومية سنوية, يقرر مجلس الإدارة الموافقة على ما جاء في بيان المجلس وميزانيته وإبراء الذمة. شركات خاسرة تحرص أشد الحرص على إبراء الذمة!! لأن بند المصروفات قد يفوق نتائج أعمال السنة كلها. وحين تختلط الملكية الخاصة مع الإدارة نجد أن كثيرا من الشركات المساهمة تحاول العمل على ضخ أي خبر ونشر أي شيء لدعم سهم الشركة أو تسريب المعلومات. وأذكر إعلانين من إعلانات الشركات من هذا النوع الذي يسيطر عليها رئيس المجلس أو المدير العام مع تملكه أسهما باسمة أو باسم قريب منه: الإعلان الأول الذي أذكره كالتالي "تعلن شركة (...) عن الانتهاء من حصاد محصول القمح" رغم أن الإعلان لم تمارسه الشركات نفسها في النشاط نفسه ولم يكرر الإعلان في السنة السابقة أو التي بعدها, وهذا تم أيام طفرة الأسعار في الشركات، وهذا نوع من أنواع الاستفادة من سلطة إدارة الشركة للتأثير في السهم, وإعلان آخر لشركة أخرى "تعلن شركة (...) عن انتقال إدارة الشركة من مكان لآخر, أي نقل من مكتب لمكتب آخر ", هذه نوعية مبسطة لإعلانات الشركات المساهمة, لأن مَن يدير هذه الشركة يبحث عن كل شاردة وواردة ليضخ خبرا للسهم لكي يرتفع, وإلا ما الخبر الجوهري بانتهاء الحصاد؟ أو انتقال إدارة الشركة؟ هل هو خبر استحواذ على شركة, حصول على براءة اختراع أم مشاريع وعقود وقعت في الخارج وتوسعات؟ أبدا ليس شيئا من ذلك, لكن لأن تداخل المصالح بين مَن يدير الشركة والأسهم التي يملكها يضعه دائما في سباق مع الزمن ليضخ هذا السهم, وهؤلاء يسيطرون على الشركة امتلاكا وإدارة, وهذا الآن أصبحت مشكلة كبيرة ومصدر إغراء لمن يريد الدخول في الشركات المساهمة, لأنه سيمارس لعبته بكل قوة, لذا نجد التفسير لماذا هم متمسكون بأيديهم وأسنانهم بهذه الشركات حتى وإن كانت خاسرة.
لن ينجلي هذا الوضع, وتداخل المصالح, وبقاء هؤلاء المديرين في الشركات وهم في الوقت نفسه ملاك, إلا بفصل الملكية عن الإدارة على الأقل جزئيا, أو بمسوغ قانوني, لا يتداخل, ولنا في "سابك" أسوة حسنة, فمن يدير هذه الشركة العملاقة, لا يملكون أي قوة تأثير في السهم, وحتى أخبار الشركة لم تنجح مرة واحدة أن قدر أحدهم كما أرباح الشركة كل ربع سنة, فهناك إدارة محترمة ومحترفة, تعمل لنجاح الشركة وتعمل بكل جد وأمانة وقوة وحققت أفضل النتائج, طبعا من الإجحاف الزج بـ "سابك" في هذا النقاش والمقارنة ولكن للعبرة والمقارنة لكي تتضح الصورة, نحتاج إلى أن تكون حوكمة الشركات قادرة على الفصل بين الملكية والإدارة, وبين ممارسات الشركات الوسطى والخاسرة, التي أصبحت مجال مضاربات وثروات بلا أي إضافة يمكن أن تحدثها للاقتصاد الوطني, يجب أن تكون هناك صيغة للتخلص من الإدارات التي لم تحقق أي إضافة أو تطوير للشركات, وألا تعتبر ملكيات خاصة لها, لمجرد أنه يملك أكثر الأصوات, فما ذنب ملاك الأسهم المستثمرين.
نحن فعلا نحتاج إلى دماء جديدة في هذه الشركات, يدعمها النظام والقانون ويصفى هذه الممارسات, وأن تضاف دماء جديدة لتغير أداء هذه الشركات لكي تتغير الفكرة والإدارة ويضاف لها شيء جديد. ولعل ما ينطبق على الشركات ينطبق على الجهات الحكومية الأخرى, من استمرار على كرسي الإدارة لعقود من السنوات حتى أنك لا تستطيع أن تعرف من كان رئيسا قبله, لماذا لا نؤمن بإدارة تحقيق الأهداف, أي الإدارة بالهدف, إن تحقق فهذا المطلوب وإن لم يتم، يطرح السؤال والمحاسبة لماذا لم تتم؟ أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في إدارات الشركات وغيرها, لأن البقاء والاستقرار والبطء وعدم التطوير هو ما يطلبه المستمرون منذ عقود, وبنمطية لا تتغير أو رغبة حتى, في ظل عالم يتغير بالدقيقة والثانية وتحديات لا تنتهي, وألا يستأثر القلة على العلم والمعرفة, وإن كانت كل المفاتيح بأيديهم وقوتهم المالية في إدارة الشركات. وحتى يتركوا أثرا تاريخيا إيجابيا بانسحابهم, بدلا من السؤال الدائم متى يرحلون إدارة الشركات الخاسرة ؟؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي