خسارات أسواق الأسهم هل هي تعديل بسيط أم تغيير حقيقي في التوجه؟
بعملية حسابية صرفة بلغت القيمة التي خسرتها أسواق الأسهم وحدها خلال الأسبوع الماضي أكثر من 1500 مليار دولار. وكأن هذا لم يكن كافيا ، فقد هوت أيضا أسواق أسعار الفائدة ، بل إن سعر الذهب ، الذي كان يعتبر في كثير من الأوقات غير الآمنة ملاذا للأموال الاستثمارية ، تراجع بنسبة 6 في المائة. ومما لا شك فيه أن أعصاب المستثمرين مشدودة الآن إلى أبعد حد. فمنذ أسابيع كانت ثمة مؤشرات في الأجواء على حدوث نكسة في أسواق الأسهم. ولكن وقوع الأزمة بهذا المستوى من الحدة كان السبب وراء الحالة الراهنة من الاضطراب والتشكك.
ترى هل يمكن اعتبار ما جرى مجرد عاصفة رعدية قصيرة أم أن أسواق رأس المال تقف حاليا على عتبة تغير في الاتجاه سيطول أمده؟ إن ما يثير الريبة، على أي حال، هو أن لدى فريق المحللين المحترفين في البنوك الاستثمارية إجابة موحدة، إذ أنهم يقولون إنه ليس بإمكان أحد أن يتنبأ مسبقا بحدوث هبوط في أسعار الأسهم. وبصوت واحد تقريبا يقولون إن البنية المتماسكة للاقتصاد العالمي والعوائد المجزية للشركات هما خير دليل على أنه ليس ثمة تغير في الاتجاه. وأكثر من ذلك يحاولون في كثير من الأحيان إيجاد قواسم مشتركة مع حركة التصحيح التي شهدتها السنة الماضية، فآنذاك كانت الأسواق تتراجع لأربعة أو خمسة أسابيع ثم لا تلبث أن تنهض من جديد فاتحة الطريق أمام المرحلة التالية من الازدهار.
ولكن ما بين آذار (مارس) 2007 و أيار (مايو) 2006 لا يوجد سوى القليل من أوجه الشبه. ففي السنة الماضية أطلقت المخاوف من احتمال حدوث التضخم وارتفاع في أسعار الفائدة، حركة التصحيح. أما اليوم فالتضخم ليس من الموضوعات المطروحة على بساط البحث، كما أن البنوك المركزية لم يعد ينظر إليها على أنها عامل من عوامل الاضطراب. وفي الوقت الذي كانت فيه عوائد سوق رأس المال آخذة في التزايد قبل حركة التصحيح، فإنها كانت في حالة تراجع خلال الأسابيع القليلة الماضية. وهذا يبين أن احتمالات النمو في الأسواق لم تعد تبدو وردية اللون. ولعل من أسباب ذلك القصور الذي يعاني منه سوق الرهن العقاري في الولايات المتحدة وتراجع التوقعات بالنسبة لأرباح الشركات في أهم اقتصاد في العالم. ومع ذلك فإن هاتين الظاهرتين وحدهما لا تكفيان لتبرير رد الفعل الأخير للسوق. فمع السيناريو الكامل لاقتصاد عالمي قوي يتصف بالنمو، كما جرى تصوره في أسواق الأسهم أخيرا، يصبح من الصعوبة بمكان التوفيق بين هذا السيناريو والظاهرتين اللتين أتينا على ذكرهما آنفا. وبعبارة أخرى: فعلى قاعدة النمو الاقتصادي المستمر أصبح توقع حدوث تذبذبات محدودة في الأسعار في الأسواق المالية، أمرا غير واقعي ببساطة.
وفي الحقيقة إن الهزة قد ابتدأت ظاهريا في الصين، حيث إن الصين تمثل الرمز للتطرف الذي طبع حالة الازدهار الراهنة. ومن الجدير بالملاحظة أن الأسعار في شنغهاي خلال الأسبوع الماضي قد تراجعت بنسبة 6 في المائة فقط، بعد أن كان معدل التراجع قد بلغ 9 في المائة. على أن المؤشر المركب في شنغهاي ما زال يظهر منذ مطلع السنة نموا قدره 6 في المائة تقريبا، بعد أن كان في السنة الماضية قد شهد ارتفاعا قدره 130 في المائة. ويعود السبب في ذلك إلى أن التجارة هناك تجارة مغلقة بحيث إن المستثمرين الأجانب لا يكاد يكون لهم دور يذكر في بورصات الصين.
وقد تضررت الأسواق الصاعدة أيضا بشدة لأنها هي التي تستفيد إلى حد كبير من تجارة فرق أسعار الفائدة. ومن الجدير بالذكر أن الشكل الكلاسيكي لهذا النوع من التجارة يبدو على الصورة التالية: يقوم المستثمرون في بلد عملته منخفضة سعر الفائدة مثل الين الياباني أو الفرنك السويسري بالحصول على قروض بتلك العملة لكي يقوموا باستثمارها في أسواق تسودها أسعار فائدة مرتفعة. ولا يتعلق الأمر هنا فقط بفروق أسعار الفائدة على القروض، حيث يقوم العديد من صناديق التحوط باستخدام هذه الطريقة لتمويل استثماراتها في بعض أسهم الأسواق الصاعدة.
أما الآن فقد أصبح هؤلاء المستثمرون، بسبب إعادة تقييم المخاطر في هذه الأسواق يتعرضون لضغوط من جهتين: فمن جهة هبطت أسعار أسهمهم، ومن الجهة الثانية ازدادت في هذه الأثناء أسعار صرف العملات التي تقيم بها ديونهم، فالين، الذي يعتبر العملة الأولى لتمويل تجارة فرق أسعار الفائدة، ارتفع في الأسبوع الماضي بنسبة 3.5 في المائة مقابل اليورو ، وبنسبة 3.7 في المائة مقابل الدولار.
أما مقابل العملات ذات أسعار الفائدة المرتفعة كالدولار النيوزيلاندي و الريال البرازيلي فقد تحسن سعر صرف الين أيضا بنسبة 6 في المائة تقريبا.
قد يكون من السابق لأوانه التنبؤ بقرب نهاية تجارة فرق أسعار الفائدة. غير أن من الصعوبة بمكان التقليل من أهمية ديناميكية هذا التوجه ومن المعروف أن أي زيادة مفاجئة في التقلبات ستؤدي بالضرورة لمزيد من هذه التقلبات. ولا يجوز استبعاد احتمالية انهيار أحد صناديق التحوط الكبيرة في مجرى عمليات التصفية الجارية. وعندها سيتعرض النظام بكامله لتجربة قاسية، كما حدث عام 1998 عندما أوقعت الأحوال المضطربة لصندوق (LTCM ) الأسواق في هاوية الاضطراب والإرباك ومع ذلك فليس ثمة ما يدعو للفزع. وأصبح باستطاعة البنوك المركزية الآن أن ترحب بالعمليات الجارية حاليا لإعادة تقييم المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها أسواق رأس المال، كما فعلت في العام السابق. إذ إن إزالة التطرف والمغالاة من الأسواق المالية يزيد في خاتمة المطاف من فاعلية السياسة النقدية.