الإسكان والقطاع الخاص

يعاني قطاع التطوير العقاري شركات وأفرادا صعوبات كبيرة سواء في الحصول على تمويل، وهو أمر شبه مستحيل، أو الحصول على التراخيص اللازمة التي تتطلب عدة سنوات خصوصا في المشاريع الكبيرة، ولم يتطور الوضع نهائيا خلال السنوات الماضية على الرغم من كل الزخم الإعلامي عن أهمية التطوير العقاري وضرورة توافر السكن للمواطنين، ولهذه الأسباب لا يوجد لدينا مطورون كبار بأحجام تصل لعشرات الآلاف من الوحدات السكنية وهو ما تحتاج إليه السوق بشدة. ومن المعروف أن معظم الوحدات السكنية التي دخلت سوق العقار قام بها مطورون صغار سواء أفراد أو مؤسسات صغيرة لعبت دورا رئيسا في توفير معظم الوحدات السكنية خلال السنوات العشر الماضية بمجهود فردي وتمويل ذاتي وبطريقة مبسطة جدا عن طريق شراء الأرض ومن ثم البناء عليها وبيعها، ثم الانتقال إلى المشروع التالي وهكذا. وحاليا يوجد شبه عزوف عن الاستثمار في التطوير العقاري سواء كان من قبل الأفراد أو المؤسسات الصغيرة، نتيجة الجهود الإعلامية الضخمة لوزارة الإسكان وتهديدها لجميع اللاعبين في السوق العقارية سواء من مستثمرين عن طريق تهديدهم "يا تعمر يا تبيع"، أو المطورين عن طريق تحول الوزارة لمطور عقاري لتنفيذ وحدات سكنية، وحاليا لا يرغبون ولا يستطيعون منافسة وزارة الإسكان بما لها من إمكانات جبارة تتمثل في 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية، وبرنامج أرض وقرض الذي يشجع التطوير الفردي الذي عانينا منه الأمرين!
أما الجزء الآخر من قضية الإسكان فيتمثل في التمويل الذي أقرت أنظمته أخيرا بشرط شبه تعجيزي يقتضي توافر 30 في المائة دفعة مقدمة لحث المواطنين على الادخار، وهل يمكن للمواطنين تغيير عاداتهم في أقل من عامين! أو لسلامة النظام المالي، وأين هم من سلامة النظام المالي خلال السنوات الماضية التي تأخر فيها إقرار أنظمة التمويل على الأقل عشر سنوات! وإذا تجاوزنا هذا الشرط التعجيزي، فكيف يستطيع الممولون منافسة وزارة الإسكان التي تعلن عن قرض وأرض مجانا! أو التصريحات الإعلامية المستمرة لصندوق التنمية العقارية عن البرامج الجديدة التي ستسهم في تسريع وتيرة القرض الذي يستغرق الحصول عليه أكثر من عشر سنوات في أفضل الأحوال، مع العلم بأن الصندوق منح خلال العامين 2011 و2012 حسب المعلومات المتوافرة في موقع مؤسسة النقد أكثر من 35 مليارا بعد الدعم الحكومي في عام 2011 بمبلغ 40 مليار ريال تم استخدام معظمها، ومن المؤكد أنه بانتظار دعم إضافي، حيث إنه لم يحصل سوى خمسة مليارات ريال خلال العامين الماضيين من جميع القروض الممنوحة، التي تفوق 90 مليار ريال! وليس أسهل من منح القروض مجانا دون تحصيلها ودون دفعة مقدمة! وهو الأمر الذي لا يستطيع القطاع الخاص منافسته، وخصوصا صناعة ناشئة مثل التمويل العقاري.
لم يعرف التاريخ المعاصر أن قامت حكومة بحل مشكلة الإسكان مباشرة وإنما عن طريق دعم وتمويل القطاع الخاص! وفي هذا الصدد تقول وزارة الإسكان إن القطاع الخاص شريك! بينما جميع الممارسات الحالية والتصريحات الإعلامية تشير إلى أنه منافس ولن يستطيع الصمود أمام منافسة وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية. والسؤال الجوهري: هل تعلم وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية أنهما يسهمان في خروج القطاع الخاص من سوق الإسكان؟ وهل تستطيع وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقاري وحدهما تلبية جميع الاحتياجات السكنية التي أشارت لها خطة التنمية التاسعة بتوفير 1.25 مليون وحدة سكنية بدلا من 500 ألف وحدة سكنية التي لم تستطع إنجاز حتى 10 في المائة منها حتى الآن، ناهيك عن مناسبتها جميع الأذواق والشرائح المختلفة! وأيضا تمويل أكثر من مليوني متقدم للصندوق وتطوير ملايين الأمتار من الأراضي الخام دون وجود للقطاع الخاص!
بصراحة أنا متشائم بالنسبة لمستقبل حل "أزمة الإسكان" في الوقت المناسب، فالمسألة دخلت في الجد الخالص بسبب التأخير في حل المشكلة فدخلت الأزمة في الكثير من التعقيد، وإذا أردنا ترجمة هذا التعقيد فإنه يكمن في القرارات التي أربكت السوق وأبعدت الكثير من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص عن المشاركة الفعالة في حل الأزمة والاكتفاء "بالفرجة".
ويا وزارة الإسكان: كان الله في عون المواطن المحتاج إلى سكن!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي