طقوس"شبة النار" والشعر..!

طقوس"شبة النار" والشعر..!

يسود صمت تتخلله طقطقة أسنان وارتجاف شفاه لمجموعة راح أفرادها يفركون أيديهم طمعا في الدفء محلقين في ظلال ليل دامس حول بقية لرفات نار أعلنت وفاتها منذ قليل بلسان الحاضرين.
صوت آخر يصدر من ركن استراحة شتوية تعتمد النار دفئا وضوءا هذا الصوت يجلب متعة لسامعه مع تكسر أعواد الحطب عودا عودا تحاكي بأصوات تكسرها فرقعة أصابع الطالبين للدفء قريبا منها يعود يلملمها ذلك القائم بأعمال "الشبّة" ليضعها مكومة بانتظار شرارة توقدها. ولا أفضل حينها من حزمة من نبات"الأذخر"تؤدي هذا الدور وتنهيه برائحة احتراق عطرية تصنع جوا إضافيا لجو الدفء الذي بدأ يسري في الأجساد وللضوء الذي أخذ يشع في الأركان لتنطلق بعدها قافلة ـ السوالف ـ إحداها تجر الأخرى لرحلة طويلة من السمر على ضوء نار ودفء نور.
وما أجمل إلى ذلك من رائحة "بُن" يغلي في دلة نحاسية ركنت في الطرف لتجول بعده فناجين القهوة بيد ساق يوزعها مُحدثا تخلخلها في يده صوتا كصهيل الخيل لتحلق الفناجيل بدورها حول النار التي أصبحت مركزا للسهر والسمر ولا أروع بعدها من تجربة مماثلة مع نبات"الأذخر" ذي الرائحة العطرية ليخلق جوا آخر ـ كمشروب هذه المرة ـ لا كوقود ـ ليغلي في إبريق أحيط بجمرات ليلوّن الماء داخله بلون أخضر فاتح وزع على الحضور الذين تذوقوا مشروبا بريا ساحرا له طعم السكر.
لن تلوم حين تجرب ذلك الجو أولئك الشعراء الذي تغنوا "بشبة النار" وما لها من طقوس لا يكاد ينساها من ذاقها وشعر بدفئها يقول شاعر النبط في عصوره الأولى تركي بن حميد:
ياما حَلى يا عبيد في وقت الأسفار
جَرّ الفراش وشَبّ ضو المنارة
في ربعةٍ ما هي بتحجب عن الجار
يومنّ ولِد اللاش ما شب ناره
ويضيف المعاصر محمد عامر الديحاني إلى ذلك المعنى قائلا:
نفسي لها والونس في نجد ميعاد
تبلغ من آفاق السعد منتهاها
إلى ترزّم في سما نجد رعّاد
ثم هلت الغرّا شهاليل ماها
شبيت ضو ٍ وسطه الجمر وقاد
يبعد رسيس البرد واهج سناها
وسويت فنجالٍ مسويه بركاد
بريةٍ يسبق طعمها شذاها

الأكثر قراءة