دبلوماسيو المناخ: بروتوكول كيوتو لن يوقف ارتفاع الحرارة

دبلوماسيو المناخ: بروتوكول كيوتو لن يوقف ارتفاع الحرارة

منذ صدور تقرير كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي, السير نيكولاس شتيرن, توالت التحذيرات الجدية من العواقب الوخيمة المترتبة على تغير المناخ في العالم. ومهما كان هامش الخطأ في تقدير الخسائر المترتبة على تغير المناخ, ومهما كانت المبالغة في حجم هذه الخسائر فإن أحدا لا يستطيع أن يجادل في صواب الرسالة من حيث الأساس. وبالتالي فإن على العالم أن يقوم باللازم.
إن مساهمة بروتوكول كيوتو, إن كانت له مساهمة على الإطلاق، هي مساهمة ضمن الحدود الدنيا في إبطاء تغير المناخ فحتى لو نجحت جميع البلدان حتى عام 2012 في تخفيض انبعاث الغازات، كما هو مطلوب، بنسبة 5 في المائة عن مستواه عام 1990 فإن تزايد درجات الحرارة في العالم لن يتوقف. وما لم تتم السيطرة على هذا الخطر فقد يصبح من المستحيل، عند نقطة معينة، وقف هذا التزايد عند حده.
ومن الواضح أن دبلوماسيي المناخ في ورطة : فكيوتو ليست سوى خطوة صغيرة جدا, ومع ذلك فإن دول العالم تعتبرها خطوة مبالغا فيها. ولهذا فهي تتلكأ في تنفيذ ما نص عليه البروتوكول. وسيكون بمثابة نجاح باهر إذا اختتم دبلوماسيو المناخ قمة نيروبي بوعد الشروع عام 2007 في مفاوضات ملزمة حول عقد معاهدة تخلف بروتوكول كويتو. ولعل المراقبين ليسوا وحدهم, بل ربما يشاركهم المتفاوضون أنفسهم في الشك بإمكانية تواصل تباطؤ هذه العملية, وهو ما يحدث عادة في بعض جولات المفاوضات التجارية العالمية أو في مؤتمرات القمة الأوروبية. إن المطلوب هو شيوع حالة من التوافق، إذ لا داعي للتأكيد على أن القرارات لا تعتبر نافذة إلا عندما لا تعارضها أي من الدول ال 189 المشاركة في معاهدة الإطار الدولية للمناخ أو إحدى الدول الموقعة على بروتوكول كويتو.
ولعل الأهم من البحث عن العامل المشترك الأصغر هو حالة الشلل التي تلم بعملية المحافظة على المناخ. فالبلد الذي يقلل من حجم الغازات المنبعثة منه ينبغي له أن يتحمل التكاليف وحده بينما تعم الفائدة من ذلك جميع الدول. وهذا يولد حالة من عدم المبالاة كما يشجع على الارتزاق من عمل الآخرين. وبذلك يسود مبدأ " سانكت فلوريان - Sankt-Florian, (إلقاء اللوم على الآخرين – المترجم). ومما لا شك فيه أن التحولات المناخية هي أيضا نتاج فشل السوق : حيث إن الآثار الخارجية التي تحدث بسبب ما يطلق في الهواء من غازات وبشكل خاص غاز ثاني أكسيد الكربون لا تظهر في التكاليف.
وإذا شاء المرء أن يتعامل مع المشكلة المناخية بأدوات السوق الاقتصادية فلا بد من فرض ثمن للهواء. وفي هذه الحالة يصبح من يلوث الهواء مطالبا بدفع الثمن. ومن أجل ذلك أرسى بروتوكول كيوتو نظاما ثابتا ذا أهداف محددة بالنسبة لمستويات تخفيض الغازات المنبعثة في الجو وفقا لحصص معينة لكل دولة من الدول، ولضمان المحافظة على سقف محدد لإطلاق الغازات في الجو, ولتخفيض تكلفة الالتزام بالحصص سمح للبلدان أن تتبادل, على أسس تجارية, هذه الحصص بين بعضها بعضا.
وبالطبع هنالك بدائل لهذا النظام, غير أن لهذه البدائل أيضا ما يعيبها فالالتزام الذاتي على أساس تطوعي, كما تشير التسمية, ليس ملزما وغير خاضع للمحاسبة, كما أن أي تقنية لزيادة كفاءة توليد الطاقة يمكن أن تؤدي لإبطاء نمو الغازات المنبعثة ولكنها لا تؤدي بالضرورة لتخفيض كمية الغازات التي تطلقها في الجو. أما توفير الطاقة فيشي بنوع من أنواع التقشف وهو ما لا يستساغ سياسيا لا في أمريكا المذنبة بحق البيئة ولا في البلدان النامية التواقة للنمو.
إن الأمل في ظهور تقنيات جديدة غير معروفة حتى الآن قادرة على تقديم حلول جديدة هو أمل مشروع. ولكن حتى في هذه الحالة لا بد من توفير المقومات الضرورية لإنجاح هذه التقنيات فالاقتراحات بدعم البحث والتطوير من خلال اتفاقيات دولية، وإلزام أكبر عدد من البلدان بتبني هذه التقنيات الجديدة التي تشكل فتحا في عالم الطاقة, بهدف تخفيض تكلفة استخدامها, تبدو بالغة التعقيد وتشي بنوع من أنواع التدخل والفرض القسري كما هو الأمر في بروتوكول كيوتو. إن التوسع في إنتاج الطاقة النووية لا يزال غير مشجع حيث لا يوجد حتى الآن مستودع آمن لتخزين النفايات النووية التي تبقى بالغة السمية لآلاف من السنين.
ومهما حاول المرء فلا مندوحة عن القيام بعمل دولي توافقي كبروتوكول كيوتو رغم كل ما فيه من ثغرات ونقاط ضعف. ولكن هذا لا يعني بحال من الأحوال بأنه ليس ثمة مجال لحلول أخرى. إن كيوتو في التحليل النهائي ما هو إلا تعبير عن التزام سياسي ينبغي أن يوحد جميع الجهود. ومن الوهم الاعتقاد بأن المعضلة المناخية يمكن أن تحل من خلال إجراءات معزولة - كالمراوح الهوائية والسيارات الاقتصادية والبحوث المكثفة. فمثل هذه ال " إما أو " لا وجود لها ومن يريد أن يخفض انبعاث الغازات في الجو بنسبة 60 إلى 80 في المائة ينبغي له أن يستخدم جميع الوسائل المتاحة له. وما نحتاج إليه في المرحلة الراهنة هو براجماتية جديدة لا تضيق النظرة في نطاق مسببات وحلول فردية.
ولكسر مبدأ " سانكت – فلوريان " ينبغي عمل كل ما هو ممكن لإدماج أكبر عدد ممكن من البلدان الصاعدة والنامية في بروتوكول كيوتو.
كما أن على البلدان الصناعية، بصفتها المسبب الرئيس لارتفاع حرارة الجو، أن تشارك في تكاليف عملية التكيف، وهذه ليست مسألة عدالة فقط وإنما مسألة منطق اقتصادي أيضا. ومن الطبيعي أن يعود الإحجام عن تقديم يد المساعدة في هذا الكون المعولم بأوخم العواقب.
كما أن البراغماتية مطلوبة أيضا إزاء التعامل مع أمريكا, الملوث الأكبر في العالم, والذي لا يريد أن يصادق على بروتوكول كيوتو. وفي هذا الوقت بالذات حيث بدأت تتعاظم الحركات المطالبة بالمصادقة على كيوتو, ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يعيد النظر في استراتيجيته فبدلا من حشر الولايات المتحدة في الزاوية، عليه أن يمد جسورا إلى الحكومة الأمريكية.
أما إذا تبين أن أمريكا ليست مستعدة لتقليص غازاتها فيجب أن يصار إلى تكليفها بتحقيق أهداف تكنولوجية محددة, فالمهم في النهاية ليس هو عنوان البيان الختامي للقمة وإنما النتائج التي تتوصل إليها هذه القمة.

الأكثر قراءة