تقليص ميزانية المجر رغم التظاهرات وإقالة رئيس الوزراء

تقليص ميزانية المجر رغم التظاهرات وإقالة رئيس الوزراء

يبدو أن المالية العامة للمجر التي كانت يوما تلميذا نجيبا في المدرسة الأوروبية قد فلتت من عقالها تماما في السنوات الأخيرة. ولهذا السبب طرحت الحكومة في بودابست برنامجا أطلقت عليه اسم برنامج التوافق لإصلاح أوضاع ماليتها. ومن المفروض في هذا البرنامج المتوقع العمل بموجبه ابتداء من الشهر المقبل, أن يضع المجر على طريق الاستدانة المعتدلة, فخلال العام الجاري يتوقع زيادة عجز الموازنة العامة إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. بينما كانت الحكومة , قبل الانتخابات التي جرت في الربيع الماضي, قد تعهدت بالعمل على ألا يزيد العجز على 6 في المائة ووعدت بالتالي بإجراء تخفيضات ضريبية.

ومما لا شك فيه أن الاقتطاعات الكبيرة التي يطالب بها الشعب الآن من قبل حكومة اليسار الليبرالي التي أعيد انتخابها, تعتبر أحد الأسباب الرئيسية للمظاهرات المستمرة في بودابست منذ أسبوع. إن ما جعل الأمور تصل إلى ذروتها هو ذاك الشريط المسجل سرا لخطاب اعترف فيه رئيس الوزراء فيرينس جيورجساني بأنه كذب أثناء الحملة الانتخابية, حيث طالب آلاف المتظاهرين سلميا باستقالة جيورجساني. وفي الحقيقة أن المجر بالعجز الهائل الذي تعاني منه موازنتها العامة وحسابها الجاري, قد أصبحت الابن الأكثر مثارا للقلق في الاتحاد الأوروبي.

وببرنامج التوافق تتطلع حكومة بودابست إلى أن تخفض مديونيتها حتى عام 2011 إلى 2 في المائة. وسيتم ذلك إلى حد كبير من خلال تخفيض النفقات العامة, وبالتالي سيجري تقليص الإدارة العامة, بحيث يتم الاستغناء عن 5 في المائة من الموظفين البالغ عددهم 300 ألف يضاف إلى ذلك إقرار زيادات كبيرة في الضرائب سيتم العمل بها بداية الشهر المقبل. ومن بين الضرائب الجديدة التي سيتم فرضها ضريبة "التضامن" البالغة 4 في المائة من أرباح الشركات والدخول الخاصة المرتفعة. كما سيتوقف العمل بنظام الإعانات للمرضى والعاطلين عن العمل, مما سيؤدي إلى زيادة العبء الضريبي من مستواه الحالي البالغ 24.4 في المائة إلى 44.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2008.
وبسبب هذه الإجراءات ستتراجع وتيرة نمو الاقتصاد عام 2007 إلى نصف ما هي عليه الآن لتصبح 2 في المائة, بينما سيتضاعف معدل التضخم ليصل إلى 6 في المائة. كما أن من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة من 7.9 إلى 8.5 في المائة. وكما يقول الاقتصادي ساندور ريشتر من معهد الدراسات المقارنة للاقتصاد الدولي في فيينا فإن المجر تدفع الآن ثمن سياساتها المالية الفاشلة. ولكن ليس من المتوقع, بفضل السياسة النقدية المعروفة باسم " اليد الهادئة " أن تحدث أزمة نقدية.
ويبلغ سعر الفائدة الأساس في المجر الآن 7.25 في المائة, وهو الأعلى في أوروبا الوسطى والشرقية.

ووفقا لوجهة نظر الاقتصادي ريشتر فإن على المجر الآن أن تسترجع الهدايا التي وزعتها من خلال سياساتها التي لم يكن ثمة ما يبررها. لقد نما الناتج المحلي الإجمالي في السنوات 2001 حتى 2005 بنسبة 18 في المائة، بينما بلغت نسبة نمو الدخل الحقيقي 30 في المائة. أما برنامج التثبيت الجديد فقد كانت له من الآثار الاقتصادية أقل بكثير من رزمة التوفير التي طبقها وزير المالية السابق بوكروس في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. هذا ومن المتوقع أن يتراجع الاستهلاك الخاص بنسبة 1 في المائة فقط, بينما من المرجح أن يحقق زيادة هامشية في السنة الثانية من البرنامج. وفي ضوء حالة القلق والاضطراب السائدة بين السكان, لا تملك أية حكومة جديدة ألا تفي بالوعود التي قطعتها على نفسها قبل الانتخابات, كما يقول ريشتر. ولهذا فإن برنامج حزب "فيديش " المعارض الذي يعد بإجراء تخفيضات على الضرائب وبالتمسك بالأسعار المدعومة لن يكون له من عاقبة سوى زيادة احتمالات وقوع أزمة مالية في المجر.

الأكثر قراءة