ضحايا في عمر الورد يفتحن جروح النقل والتعليم

ضحايا في عمر الورد يفتحن جروح النقل والتعليم

فتحت حادثتا جدة وحائل المتواليتان باب الحديث مجدّدا عن قضايا تمس قطاع التعليم المتعلق بالفتيات، وهو القطاع الذي تكبّد في يومين خسائر بشرية قاربت 15 طالبة ومعلمة في سلك التعليم وإصابة العشرات بجروح، وذلك أثناء وجودهن في المدرسة كما هو الحال في حادث جدة، أو توجههن لجامعتهن كما هو الحال في حادث حائل. كان حادث جدة مربكاً بشكل كبير في ظل حضور طاغ للصورة التي نقلت المشهد، سواء فوتوغرافيا أو عبر الفيديو لمشاهد سقوط الطالبات والمعلمات من الأدوار العليا للبناية المحترقة للمدرسة الأهلية، غير أن حادث حائل كان أكثر إرباكا في ظل العدد الكبير للضحايا حتى وإن غابت الصورة الناقلة لفداحة الخسائر والمعبرة عن مشهد الألم لطالبات علم أصبحن في فجر الأحد لا يطلبن سوى الرحمة. مشهد الطفلة الساقطة من علو شاهق في مدرسة جدة كان مشهداً مؤلماً لإرادة الحياة حين تتصارع مع أنياب الموت في لحظة تكشيرها المخيف الغادر بصغيرات كن يلهين ولم يتعلمن يوما فنون اتقاء مثل هذه اللحظة، لكن غريزة البقاء تدلهن على شباك النجاة باعتباره متنفسا يمكن فيه من جديد تذوق أنفاس الحياة مجددا، غير أن المخجل أن من وقفوا بالعشرات لتصوير المشهد لم تلتقط صورهم صورة لمنقذ يحاول التخفيف من أثر الوقوع أو يحاول مد يد النجاة لمن تصرخ طلبا للنجدة، فهل أصبحنا متبلدين لدرجة أن تعودنا أن نرى بعضنا فقط من خلف جهاز التلفزيون أو من خلال مقاطع الفيديو؟ تنتشر الصرخات قريباً من المصورين، بيد أن من في حالة الفرجة تبدو له المشاهد مكررة كما لو كان قد تابعها للتو في قناة إخبارية غير أن له ميزة الحضور على الهواء مباشرة لمشهد إخباري يفرض نفسه على صفحات الإعلام، هنا يتساءل شخص ما زال فطريا: أين الشعور بالنجدة وإغاثة الملهوف، هل أمات الإعلام في قلوبنا ذاك الشعور بالغربة عن هذا المشهد ومناكفته، هل استمرأنا مشاهد العنف وتعداد الضحايا، تلك إذن مأساة أخرى يجب الانتباه لها مبكرا قبل أن تموت الأفئدة وتقتل المشاعر النبيلة في النفوس، غير أن آخرين يرون فيما حصل من تعاطف ومحاولات تقديم المساعدة في حادث جدة هو كاف لمجتمع مدني يؤمن بأن مهامه في المساعدات الإنسانية تبقى محدودة في ظل مسؤوليات الدفاع المدني. وإن كان حادث جدة في قلب مدينة من أعرق مدن المملكة وأقدمها بالمؤسسات الحكومية والخاصة، فإن حادث حائل كان في منطقة بعيدة نسبيا عن العمران وفي طريق صحراوي، إلا أن الوقت لم يمهل طويلا من أراد المساعدة والإنقاذ من المواطنين وهو حادث كان أسرع كثيراً من جهود الإنقاذ لسيارات الإسعاف التي وصلت متأخرة بحسب أجهزة الإعلام الحديث التي تحدثت عن تأخير امتد لنحو نصف ساعة. وإن كانت الحوادث ليست سوى إشارات كونية لأخطاء بشرية كما يفسرها البعض، فإن الباب مع الحادثتين فتح بشكل كبير لتفسير الخطأ البشري بدءاً بالأجهزة الخدمية وانتهاء بتقدير الأخطاء الفردية المختلفة في الحالتين، إلا أن ما يبقى ملحاً على الدوام هو غياب فكرة النقل العام الذي يختصر الأخطاء الفردية لمئات السائقين ويجنب بنات حواء المضطرات للذهاب بعيدا لمدارسهن، بحول الله، مخاطر الطرق الموبوءة بألف سبب للموت.
إنشرها

أضف تعليق