"ليبراسيون" على حافة الإفلاس
"نحن نحتاج إليكم... الوقت يمضي من بين أيدينـا...وما لدينا إلا القليل من المـادة"، صرخة إنقـاذ أطلقتها إدارة تحرير صحيفة ليراسيون الفرنسية اليومية على صفحاتها الأسبوع الماضي مناشدة قراءها أن يصبحوا مساهمين في الجريدة لكي ينقذوها من الإفلاس الموشك. في الوقت نفسه ناشد المحررون والموظفون في دار النشر على الصفحات نفسها المساهمين في الصحيفة وعلى رأسهم المساهم الأكبر ادوارد دو روتشيلد أن يضخوا رؤوس أموال أكثر. وترد المزاعم بأن المليونير "روتشيلد" لم يأبه لصيحة النداء العلنية، في حين أعلن هو نفسه انه يعمل حاليا على مشروع باسم "مشروع الفرصة الأخيرة"، وأنه ينوي طرح هذا المشروع أمام مجلس إدارة الصحيفـة.
تأسست الصحيفة "ليبراسيون" في عام 1973 على يد المفكر والفيلسوف جان بول سارتر وكانت دائما شعارا للصحيفة غير العادية مقارنة بالصحف اليومية الأخرى، وحاولت دائما ان تكون خارجة عن التقاليد، وتناولت مواضيع لم تجرؤ الصحف الأخرى تحت ضغط أصحابها وأصحاب الإعلانات المبوبة على نشرها. هذا الحلم الجريء أصبح سرابـا مع أمور المال الواقعية. الأزمة بدأت في مطلع الثمانينيات حين مرت الصحيفة بموجة من الإضرابات وعمليات الفصل. ومع مرور السنين تحول ميول الصحيفة السياسية من اليساري المتطرف إلى الاشتراكي الديموقراطي الذي يمثل أغلبية الشعب الفرنسي. لكن وعلى الرغم من ذلك بدأ عدد النسخ المباعة منذ ست سنوات يضمحل شيئا فشيئا حتى وصل اليوم إلى نحو 140 ألف نسخـة فقط .
النظرة إلى طريق فرعي يؤدي إلى مراعي الرأسماليـة أصبحت أخيرا جاهزة العام الماضي، وذلك عندما استحوذ فجأة رجل البنوك "روتشيلد" على نحو 38 في المئة من أسهم الصحيفة. فلا أحد في فرنسا كلها يجسد الرأسمالية مثل عائلـة هذا المليونير، ولكن العشرين مليون يورو التي قدمها "روتشيلد" من أجل إعادة رسملة أسهم الصحيفة كانت مغرية. ومع ذلك لم يكن المصرفي راضيا عن جهوده ومساعيه الاستثمارية، فحين استطاع بنفوذه أن يشطب 25 وظيفة تحريرية، لم تصدر الصحيفة اليومية لأيام عديدة وذلك لإضراب قسم التحرير عن العمل.
وفي حزيران (يونيو) الماضي أجبر روتشيلد رئيس التحرير السابق والمؤسس للصحيفة "سيرجي جولي" والمدير العام "لويس دريفوس" على ترك الصحيفة، وعلى أثر ذلك اختلت الموازين في استراتيجية قسم التحرير: ففي أيار (مايو) صدر لأول مرة مع نسخة نهاية الأسبوع الملحق المصور للتلفزيون والسينما والإنترنت، ولكن فيما بعد توقف إصداره. ويقول رئيس التحرير "انطوان دو جاوديمار" معترفا بالخطأ الذي وقعت فيه الشركة "نحن نواجه صعوبات في إيجاد جواب للمتطلبات الجديدة" - وكان أن ترك قسم التحرير كتاب مهمون منهم الفرنسية "فلورينس اوبيناس" التي كانت محتجزة في العراق لأشهر عديدة كرهينة.
في النصف الأول من العام الحالي سجلت الصحيفـة خسارة راوحت ما بين 5,5 إلى ستة ملايين يورو. ومن باب المساعدة أجّل صندوق الضمان الاجتماعي الحكومي للصحيفة تحويل أقساط الضمان الاجتماعي لشهر واحد وذلك حتى تتمكن من دفع رواتب الموظفين. ونظرا للوضع المتأزم الذي تمر به "ليبراسيون"، فمن الظاهر أن ليس في مقدور الصحيفة أن تعالج أزمة الصحافة الفرنسية اليومية إذا ما قورنت بنظيراتهـا. الأزمة التي تمر بها الصحيفة اليومية الفرنسية بوجه عام نابعـة عن منافسة الصحف المجانية التي غطت البلاد، ومن تغير اهتمامات وتوجهات القراء الفرنسيين وكذلك بسبب ارتفاع أسعار الطبع والنقل والتسويق. وإضافـة إلى ذلك يلعب دور إقبال المواطن الفرنسي الفاتر على أكشاك بيع الجرائد دورا مهما في أزمة صحف دولة أوروبية لا يعرف من سكانها إلا القليل ما يسمى بـ"الاشتراك الشهري".
وفي سياق محاولات إنقاذ الصحيفة، توجهت الإدارة إلى بنك الاستثمار "لازارد" Lazard وكلفته بمهمة البحث عن مانح جديد. فما تتمناه الصحيفة، وهو أن يصبح القارئ لجريدة ليبراسيون مثله كمثل قارئ "لوموند" أو المجلة ماريان على حد سواء أي مساهماً صغيراً، أي قطرة في بحر عميق - على الرغم من آلاف الرسائل التشجيعية والمواسية في الإنترنت التي جاءت ردا على نداء الصحيفـة. يقول رئيس التحرير "جاوديمار" بأنه لم يدعو القراء إلى حملة تبرعات لغاية الآن. ما تقوله الوقائع هو أن مستقبل الصحيفة "ليبراسيون" معلقة على خيط حرير رفيع.