خام برنت يعزز تفوقه على خام غرب تكساس الوسيط

لقد استمر تداول خام برنت في بورصة البترول الدولية في لندن التي تعرف الآن بـICE أعلى من منافسه الخام الأمريكي القياسي المعروف بخام غرب تكساس الوسيط WTI منذ الربع الرابع من عام 2010 ووصل الفارق أخيرا إلى 27 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ ذلك الحين. قبل هذه الفترة، في السابق كان خام برنت يرتفع فوق خام غرب تكساس الوسيط في أوقات معينة، عادة بسبب بعض الاضطرابات في أسواق النفط في الوسط الغربي الأمريكي. لكن هذا التفوق لخام برنت يبدو الآن راسخا أكثر مدعوما بتغيرات أساسية واستراتيجية في طبيعة أسواق النفط، ولا سيما تحول نمو الطلب على النفط إلى الأسواق الناشئة، مثل الصين والهند، وتنامي الدور المالي financialization للأسواق الآجلة للنفط.
تقليديا، الخام الأمريكي القياسي غرب تكساس الوسيط WTI كان يتداول في السابق بفارق دولار إلى دولارين للبرميل أكثر من نظيره الأوروبي خام برنت Brent؛ ما يتيح للولايات المتحدة جذب المزيد من الإمدادات النفطية إلى شواطئها، حيث تعتبر المحرك الرئيس للطلب العالمي على النفط.
على مدى الأشهر الماضية، عزى كثير من المحللين السبب الرئيس لتفوق خام بحر الشمال برنت إلى عدم إمكانية وصول خام غرب تكساس الوسيط إلى الأسواق العالمية. حيث تقع نقطة التسليم لعقود خام نايمكس في مركز التخزين في كوشينج Cushing في ولاية أوكلاهوما، تعتبر هذه النقطة حاليا معزولة ولا يمكن نقل النفط منها جنوبا إلى مراكز التكرير على امتداد ساحل الخليج الأمريكي. في محاولة لفتح أسواق جديدة للنفط الكندي المتزايد، خط أنابيب شركة Enbridge جعل منطقة كوشينج Cushing من دون قصد أكثر عزلة عن أسواق النفط العالمية. بسبب وضعها هذا، يمكن ارتفاع مخزون النفط الخام في كوشينج بسرعة، خصوصا مع ارتفاع الإنتاج من الرمال النفطية في ألبرتا ومن المناطق الشمالية لأمريكا من حوض باكن Bakken. الممر الوحيد لمخزون النفط الخام هو نقله إلى مصافي التكرير في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي التي لديها بالفعل الكثير من مخزون النفط الخام؛ لكون الاقتصاد الأمريكي لا يزال بطيئا.
لكن طبيعة خام برنت المفتوح على البحر وموقعه الجغرافي جعله مرتبطا ارتباط وثيقا بأسواق التداول العالمية، بما في ذلك الصين، التي تعتبر حاليا المحرك الرئيس لنمو الطلب العالمي على النفط. في ضوء التطورات العالمية الحالية، يقول كثير من المحللين: إن خام برنت يعتبر الآن أفضل مؤشر لأسواق النفط العالمية وأكثر تعبيرا عن السعر الحقيقي للنفط.
إن المخزون النفطي في مركز التخزين في كوشينج Cushing انخفض فعلا في الأشهر الأخيرة، وهذا مؤشر إلى قلة العرض؛ لذلك كان من المفروض تعزيز أسعار خام غرب تكساس الوسيط وتضييق الفجوة مع خام برنت. لكن في الواقع اتسع الفارق بينهما أكثر من ذي قبل. مخزون الخام في كوشينج انخفض إلى 33 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 26 آب (أغسطس) عن المستوى القياسي الذي وصله في نيسان (أبريل) قرب 42 مليون برميل، حسب إحصاءات وزارة الطاقة الأمريكية. المصافي في الوسط الأمريكي قد رفعت من معدلات استخدام طاقتها، حيث إنها تتمتع حاليا بهوامش أرباح عالية بفضل حصولهم على خام غرب تكساس الوسيط بأسعار مخفضة مقارنة بخام برنت. كما أن هذه المصافي الآن أقل حاجة إلى شراء خامات ساحل الخليج الأمريكي الأكثر تكلفة، ما قلل من كمية النفط الخام التي يتم شحنها عبر خط أنابيب الشمال إلى مركز التخزين في كوشينج Cushing.
من ناحية الإمدادات، لقد تأثر خام مزيج برنت من ضيق في العرض، حيث إن إنتاج النفط من بحر الشمال آخذ في الانخفاض، وتسبب النزاع في ليبيا في توقف إنتاج ما يقرب من 1.6 مليون برميل يوميا من النفط الخام الخفيف الواطئ الكبريت، الذي يستخدم إلى حد كبير في المصافي الأوروبية. كما تعطل الإنتاج أيضا من بحر الشمال نتيجة توقفات الصيانة الروتينية والمشكلات في حقل الصقر Buzzard، أحد الحقول المساهمة في عقود برنت الآنية. المخزون التجاري الأوروبي من النفط الخام والمنتجات انخفض في نهاية تموز (يوليو) إلى 44 مليون برميل يوميا مقابل الفترة نفسها من العام الماضي ووصل إلى أدنى مستوياته منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2007. في حين أن المخزون النفطي في الولايات المتحدة على النقيض من ذلك، حيث لا يزال عند مستويات مريحة.
في الوقت نفسه، زادت في الآونة الأخيرة الهجمات على شبكات خطوط أنابيب النفط في نيجيريا، التي يتم تسعير النفط الخام فيها على أساس سعر خام برنت. وتسببت الهجمات إلى قيام العديد من الشركات إعلان حالة القوة القاهرة force majeure على توقف الصادرات؛ ما قلل من كمية النفط الخام الخفيف الواطئ الكبريت المتاح على الجانب الأوروبي من حوض الأطلسي.
المضاربون في الأسواق النفطية يلعبون أيضا دورا في هذا الجانب، حيث إن العديد من صناديق الاستثمار، صناديق التحوط وغيرها من المحافظ الاستثمارية الطارئة التي تتعامل في الأسواق المالية لتجارة السلع، قامت بتحويل أموالها إلى عقود خام برنت الآجلة؛ ما أعطى لهذه العقود المزيد من الدفع. يعتبر المستثمرون الآن خام برنت أفضل مقياس للنمو الاقتصادي العالمي وللمخاطر الجيوسياسية. هذا، وتفاقمت هذه الحالة مع قيام أعداد كبيرة من المستثمرين بشراء المزيد من عقود برنت؛ ما دفع الأسعار للارتفاع أيضا.
ومن الأمثلة على ذلك صندوق استثمار خام برنت الأمريكي، وهو من صناديق التبادل التجاري التي أنشئت في منتصف عام 2010 لتداول خام برنت وتدار من قبل الشركة نفسها التي تدير صندوق استثمار النفط الأمريكي، الذي يتبع تداول خام غرب تكساس الوسيط. على الرغم من أن صندوق استثمار خام برنت يحوي حاليا بضع مئات فقط من عقود خام برنت، إلا أنه يعكس تنامي الدور المالي financialization لأسواق النفط.
لقد بلغ متوسط حجم التداول الكلي لمزيج برنت في بورصة البترول الدولية في لندن أكثر من نصف مليون عقد في اليوم منذ بداية العام، إي بزيادة 30 في المائة تقريبا مقارنة بالفترة نفسها من عام 2010 وما يقرب من 80 في المائة ابتداءً من عام 2009. عقد خام غرب تكساس الوسيط نايمكس ما زال أكثر تداولا، لكنه ارتفع بنحو 5 في المائة فقط مقارنة بعام 2010.
فضلا عن الارتفاع القوي في أسعار خام برنت، لقد أغرى المستثمرين أيضا شكل منحنى أسعار الأشهر المستقبلية (الآجلة) لمزيج برنت، حيث إن هيكل الأسعار لخام برنت في حالة تدعى التراجع Backwardation، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، في حين أن خام غرب تكساس الوسيط في حالة تُدعى كونتانجو - Contango، بمعنى أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية. في حالة كون السوق في حالة التراجع Backwardation، فإن المستثمرين يحققون بعض الأرباح عندما يقومون بتدوير عقود الشهر الحالي إلى الشهر المقبل الأقل سعرا. هذا الوضع أعطى المستثمرين الماليين في العقود الآجلة للنفط حافزا قويا لتحويل أموالهم إلى عقود خام برنت الآجلة. في حين أن السوق التي هي في حالة كونتانجو - Contango، فإنها تخسر المال، هذا يضر صناديق الاستثمار وغيرها من المحافظ الاستثمارية الطارئة التي تتعامل بتجارة السلع، حيث تخسر هذه المحافظ تكاليف التمديد الشهرية لعقود خام الشهر الفوري المنتهية صلاحيتها لتجنب تسليم عقود النفط الخام المادية المستحقة.
التفوق القوي لخام برنت على الخام القياسي لبورصة نايمكس، غرب تكساس الوسيط، أثار تساؤلات في الأوساط النفطية عن أي من النفوط القياسية يعكس بدقة أكثر أسعار النفط الصحيحة، وعما إذا كان هذا التحول في العلاقة بينهما أصبح الآن مستداما.
عندما وصل الفارق بين خام برنت وغرب تكساس الوسيط إلى مستويات قياسية، أشار المحللون إلى أن المخزون الكبير في مركز التخزين في كوشينج Cushing هو السبب الرئيس لانفصال خام غرب تكساس الوسيط عن الأسواق العالمية للنفط. لكن مع انخفاض مستويات المخزون في كوشينج بدأ المحللون يركزون الآن على العوامل ذات الصلة بخام برنت، بما في ذلك تدفق أموال المستثمرين، ومشكلات إنتاج بحر الشمال والطلب الآسيوي القوي على النفط.
على الرغم من أن بعض المحللين يتوقعون أن يستمر الفارق بين خام برنت وغرب تكساس الوسيط في الاتساع بناءً على عوامل محلية، إلا أن مزيدا من الانخفاض في مستويات المخزون في كوشينج وعودة الإنتاج الليبي إلى الأسواق من المرجح أن يضيق الفارق بينهما.

المزيد من الرأي