درجة الفقر تبقى على مستواها في أمريكا رغم النمو الاقتصادي

درجة الفقر تبقى على مستواها في أمريكا رغم النمو الاقتصادي

لأول مرة ومنذ تولي الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش منصبه قبل خمسة أعوام ونصف لم يرتفع خط الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية، بل بالعكس انخفض ولكن في نطاق محدود. وحسبما أفادت دائرة إحصائيات السكان عاش العام الماضي في أكبر دولة على وجه الأرض تتمتع باقتصاد قومي واحد من كل ثمانية مواطن تحت خط الفقر. وهذا يعني 37 مليون شخص تقريبـا. هذا الانخفاض بالمقارنة مع عام 2004 كان قليلا لدرجة أن الخبراء في دائرة الإحصائيات قالوا إنه "إحصائيـا رقم غير ذي قيمه". هذا وتزيد نسبة الفقر في عام 2005 والبالغة 12.6 في المائة (2004: 12.7في المائة) بـ 1.3 في المائة عنها في عام 2000، آخر سنة للرئيس السابق "بيل كلينتون" في منصبه وآخر ذروة للازدهار الاقتصادي الذي امتد لأعوام طويلة.
إلا أن خلف العدد الإجمالي للإحصائية تكمن بلا شك تطورات مختلفة. وصحيح أن عدد العائلات التي عاشت تحت خط الفقر في عام 2005 وبلغت حوالي 7.7 مليون عائلـة بقي على حاله ولم يتغير، إلا أن نسبة العائلات الفقيرة إلى مجموع العائلات الكلي انخفض بين العام الماضي وعام 2004 من 10.2 إلى 9.9 في المائـة. ووفقا للعدد ونسبة العائلات الفقيرة انخفضت درجة الفقر بين العائلات المتكونة من زوجين، بينما في المقابل بقيت نسبة وعدد العائلات الفقيرة التي رب أسرتها امرأة (أي بدون وجود رجل على الإطلاق) على حالتها دون تغيير عند نسبـة 28.7 في المائة وبما مجموعه أربعة ملايين عائلة. وتبعا لحسابات وإحصائيات الدائرة بلغ عدد العائلات لرب أسرة رجل وحيد، أي بدون وجود زوجة، والتي تعيش تحت خط الفقر 669 ألف عائلـة. هذه الحسابات تنطبق على عائلة من أربعة أشخاص يبلغ معدل دخلها السنوي 971 19 دولار، وعائلة من ثلاثـة أشخاص بدخل قدره 577 15 دولارا، وعائلة من شخصين بدخل 755 12 دولار وللأعزب بدخل 9973 دولار. ولكن الفقراء كانوا يكسبون في المعدل 3236 دولار أقل من حد الفقر لكل تصنيف عائلة. وحتى أن 43 في المائة من الفقراء (وهي نسبة عالية لم توجد من قبل على الإطلاق) بلغ دخلهم السنوي نصف الدخل التي تقره الإحصائيات كخط بداية الفقر. ووفق أنباء الدائرة الإحصائية لم تتغير نسبة العائلات الفقيرة بين الأعراق السود (24.9 في المائة) واللاتينيين (21.8 في المائة) إلا بحيز بسيط جدا. ولكن النسبة انخفضت في المقابل بين الأعراق البيض من 8.7 في المائة إلى 8.3 في المائة، وبين الآسيويين ارتفعت النسبة من 9.8 في المائة في عام 2004 إلى 11.1 في المائة في عام 2005.

ويعلق "مايكل تانر" أحد خبراء الفكر المتحرر من معهد "كاتو" في واشنطن على النتائج ويقول: "على الرغم من أننـا ننفق أموالا طائلة في مكافحة الفقر، إلا أننا لم نحقق أي نجاح على الإطلاق من ورائها. وإذا استمررنا على ذلك كما هو حاليـا، فسنحصل على النتائج نفسها". وفي الوقت نفسـه طالب "تانر" من الحكومة وقف سياسـة الأعمال الخيرية التي تنتهجهـا وقال "دعوا المنظمات الخيرية الخاصة والمجتمع بحالهم ".

لأول مرة منذ عام 1999 ارتفع في العام الماضي حسب أنباء واردة معدل الدخل السنوي بعد تعديل التضخم المالي للعائلة الأمريكية، حيث ازداد بنسبة 1.1 في المائة ليصل إلى 326 46 دولار. خلف هذه القيمة المتوسطة الناتج نصفها الأول من العائلات التي يزيد دخلها على هذه القيمة والنصف الآخر من العائلات التي يقل دخلها عنها، تكمن أيضا تفاصيل مهمة: العائلات الآسيوية في أمريكا تتربع على قمة المجموعات العرقية كافة من ناحية معدل متوسط الدخل السنوي، حيث يبلغ 094 61 دولار، تليها الأعراق البيضاء بـ784 50 دولار واللاتينيـة بـ967 35 دولار. وفي المرتبة الأخيرة من سلم الدخل السنوي تتربع طائفة السود بمعدل دخل يبلغ 858 30 دولار. وبينمـا بصورة عامة ارتفع صافي دخل العائلات السنوي في عام 2005، انخفض في المقابل في هذه الأثناء صافي معدل الدخل المتوسط للموظف الذكر الذي يعمل بدوام كامل في عمر 15 عاما فما فوق بنسبة 1.8 في المائة. ويخص خمس الأمريكيين الغني ما يزيد على نصف (50.4 في المائة) الدخل، وتعتبر هذه النسبة أكبر نسبة على الإطلاق منذ بداية تسجيل إحصائيات دخل العائلات في عام 1967. ففي الظاهر أنهم استفادوا وبنطاق يستحق الذكر من الازدهار الاقتصادي الذي منيت به الولايات المتحدة، فقد نما الاقتصاد الأمريكي في عام 2004 بنسبة 3.9 في المائة وفي عام 2005 بنسبة 3.2 في المائة.
وتبعا لتخمينات "جون بوديستا"من مركز التقدم الأمريكي (Center for American Progress)، أحد العباقرة المقربين للنقابات في العاصمة واشنطن، تعتبر النتائج دليلاً وبرهاناً على فشل السياسة في الأعوام الماضية، فيقول "وضع الأيدي العاملة الاعتيادية في الوقت الحالي أسوأ في المعدل المتوسط مما كانت عليه قبل ستة أعوام، فقد انخفض الدخل العائد، وارتفعت النفقات في قطاع الصحـة بصورة مخيفـة". هذا هو ناتج سياسة الرئيس الحالي "بوش"، فقد وسع في الفجوة بين الطبقة الغنية وبين تلك الطبقة التي تعيش شهريـا من معاش إلى معاش. ويطالب "بوديستـا" في حديثه إلى الكونغرس الأمريكي باتخاذ قرار عاجل من أجل رفع قيمة الراتب الأدنى الذي ينص عليه القانون، ويطالبه كذلك بالتراجع عن مخططه شبه الكامل لإلغاء ضرائب الميراث. ويصف "بوديستا" العدد العالي من المواطنين الأمريكيين الذين لا يملكون تأمينا صحيا بأنه عدد "غير مقبول أخلاقيـا"، مضيفـا بأن "الوقت قد حان لتغيير وجهة السياسـة". من جانب آخر يرد عليه مدير الميزانية في البيت الأبيض "روب بورتمان" قائلاً "عدد الأيدي العاطلة عن العمل في أمريكا منخفض، والأجور آخذة في الارتفاع، ويوجد حاليا في الولايات المتحدة فرص عمل أكثر مما كانت عليه من قبل في التاريخ الأمريكي".
وأضاف بورتمان أنه وبلا شك أن هناك سلسلـة من التحديات تقف حجر عثرة ولكن الاقتصاد الأمريكي قوي وشديد المقاومة، ولا سيمـا بسبب ارتفاع عزيمة الإقبال على العمل لدى الشعب الأمريكي وكذلك بسبب السياسة الاقتصادية للحكومة ذات التوجه التنموى.
ووفق نتائج دائرة الإحصائيات بلغ عدد الأمريكيين بدون تأمين صحي في العام الماضي 46.6 مليون شخص، أي بما يزيد على 1.3 مليون مقارنة بالعام الذي قبله، وبهذا تكون النسبة من إجمالي الشعب قد ارتفعت من 15.6 إلى 15.9 في المائة. لكن في المقابل ارتفع عدد الخاضعين للتأمين الصحي بـ 1.4 مليون شخص ليصل الإجمالي إلى 247.3 مليون. وفي جميع الأحوال هناك ما يزيد على النصف من المؤمنين صحيا يغطون بالتأمين الصحي من خلال أصحاب العمل، إلا أن نسبة المؤمنين صحيا من خلال الشركات انخفض بصورة طفيفة من 59.8 إلى 59.5 في المائة.

الأكثر قراءة