سوق الاندماجات تقترب من الرقم القياسي لعام 2000
إن الشره الكبير في مجال استحواذ الشركات على بعضها البعض يدفع السوق العالمية للاندماج والاستحواذ إلى ذرى لم يبلغها من قبل. ففي النصف الأول من السنة الحالية ازداد حجم الاندماجات على نطاق العالم إلى ما قيمته 1.73 مليار دولار. وبهذا تقترب عمليات الاندماج، وفقا لمعطيات مؤسسة تومسون فايننشيال المتخصصة في جمع المعلومات المالية من الرقم القياسي الذي سجل عام 2000. هذا وقد كانت عمليات الشراء والاندماج عبر الأطلسي حتى وقت قريب تحتل المرتبة الأولى، ولكن حمى الاستحواذ أصابت على ما يبدو الشركات الأوروبية، في الآونة الأخيرة. وهذه الحقيقة تبرهن عليها أمثلة كالاندماج المخطط له بين شركتي أيون وانديسا الموردتين للطاقة وبين شركتي سيمنز ونوكيا.
ويقول شتيفان لايتنر مدير العمليات المصرفية الألمانية الدولية في "دويتشه بنك": "ازداد حجم عمليات الاستحواذ في أوروبا وبلغ ما قيمته 697 مليار دولار أي ما يقدر بنسبة 40 في المائة، خلال نصف السنة الماضي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. "ويتوقع لايتنر لسوق الاستحواذ الأوروبي أن يستمر في حيويته خلال النصف الثاني من السنة ويقول: "طالما بقيت أجواء أسعار الفائدة على حالها فسيستمر عقد الصفقات بدافع النمو الاقتصادي القوي"، ذلك لأنه يتوافر لدى الشركات الكثير من الأموال بعد سنوات من تسوية ديونها ومن انتهاج سياسة حذرة ومتحفظة. ويقول هنري جيبون، أحد مديري مؤسسة تومسون فايننشيال: "إن الشركات الصناعية لا تزال تتمتع بوضع جيد، فيما يتعلق بأعباء مديونيتها غير أن اللجوء للاستدانة بكثافة لإتمام عمليات الاستحواذ يشكل مصدرا للقلق".
وتسعى الشركات الألمانية الكبرى أن يكون لها كلمة أيضا في موجة الاندماجات، وقد أعلن ثلث الشركات المدرجة في مؤشر الأسهم الألماني حتى الآن عن عمليات استحواذ كبرى أو عن نوايا للاستحواذ. ومن بين هذه الشركات شركة لنده المختلطة التي استولت على شركة (بوك) البريطانية للغازات الصناعية المنافسة لها، وشركة باير للمنتجات الصيدلانية التي ابتلعت منافستها شركة شيرينج في برلين. ومع ذلك فإن بعض الشركات لا تزال تقف موقف المتفرج على الرغم من أن خزائنها متخمة بالأموال. فمثلا خصصت شركة (آر دبليو آي) كمية كبيرة من الأموال السائلة لعمليات شراء تأمل البنوك الاستثمارية أن يجري استخدامها قريبا من قبل هذه الشركة الموردة للطاقة في الاستيلاء على هدف كبير. وعلى أية حال فان الخبراء يتوقعون مزيدا من عمليات الاستحواذ في قطاع الطاقة، حيث يقول جيبونز: "إن تحرير السوق المتوقع في منتصف عام 2007 سيؤدي لزيادة الضغوط على المنشآت المتوسطة الحجم في قطاع التوريد"، وهو يرى، بشكل خاص، في موردي الطاقة البريطانيين والإسبان أهدافا مرشحة للاستحواذ.
وإذا كانت عمليات الاستحواذ في قطاع التكنولوجيا هي الأبرز عام 2000، فلا يتميز اليوم قطاع محدد عن القطاعات الأخرى بالنسبة لهذه العمليات. ويعتبر لايتنر أن ذلك مؤشر إيجابي: "إذ إن للعمليات اليوم نوعية مختلفة عن السابق"، كما أن الأسعار لم ترتفع بشكل كبير، ويقول جيبون: "إن غالبية الشركات تدفع أسعارا معقولة". وقد شخص الخبراء بعض الإشارات على احتمال توقد حرارة السوق: ومنها أن حجم الصفقات التي تم دفع ثمنها بالأسهم قد ازداد زيادة طفيفة في الفترة الأخيرة. فمثلا تم دفع كامل قيمة صفقة الاندماج عبر الأطلسي بين شركتي (لوسنت) و(ألكاتيل) التكنولوجيتين بالأسهم. وبعكس عام 2000 الذي شهد تراجعا في سوق الأسهم والاستحواذ، لا يزال من المتوقع أن تتم عملية تسوية الجزء الأكبر من صفقات الاستحواذ بواسطة النقود السائلة. أما إذا حدث وجرى المزيد من عمليات الاستحواذ على أساس الأسهم فقد تصاب الشركات الألمانية ببعض الأضرار، وهو ما يحذر منه لايتنر، ذلك لأن قانون الأسهم الألماني لا يوفر لها ما يكفي من المرونة، هذا من ناحية، أما من الناحية الثانية فقد أصبحت مجالات المناورة لرفع رأس المال أضيق مما كانت عليه في السابق. حيث إن الكثير من اجتماعات الهيئات العامة للشركات، وآخرها اجتماع الهيئة العامة لشركة (كونتننتال) لصناعة إطارات السيارات التي لم توافق على زيادة رأس المال لتوفير الأموال اللازمة لعمليات الاستحواذ إلا بنسبة 20 في المائة من رأس المال الأساسي كحد أقصى، بينما كانت تصل هذه النسبة في السابق إلى 50 في المائة.
إن حركة التصحيح الأخيرة في الأسواق المالية كان من نتائجها، حسب جيبون، تأجيل بعض عمليات الاستحواذ الكبرى. بينما يتوقع الخبراء أن يتجدد النشاط خلال النصف الثاني من العام الجاري، وإن كان ربما سيقل عما كان عليه في النصف الأول من السنة. إن البنوك الاستثمارية قد ساهمت بدورها أيضا في تفشي حمى عمليات الاستحواذ العالمية وذلك من خلال عائداتها من الرسوم، حيث تقدر دخول البنوك على نطاق العالم منذ بداية العام بنحو 18.9 مليار دولار.