سنغافورة تتميز عن غيرها عبر تركيز خدماتها في المالية الإسلامية على «أسواق الجملة»
أكد البنك المركزي السنغافوري لمجلة "المصرفية الإسلامية" أن سنغافورة ستتميز عن بقية عواصم التمويل الإسلامي في العالم، وذلك عبر تركيز خدماتها في المالية الإسلامية على "أسواق الجملة" التي تعرف لدى المصرفيين بـ wholesale market. حيث قال أونج تشونج تي، نائب العضو المنتدب الإداري لسلطة النقدية في سنغافورة، إن بلاده ستركز على الخدمات المتخصصه في أسواق الجملة كي تستفيد من الكتلة الحرجة الموجودة من اللاعبين والخبرات التقليدية. واستعرض المسؤول الرفيع أبرز الفرص الاستثمارية في المالية الإسلامية التي لم يتم طرقها بعد من المستثمرين الخليجيين. وتطرق كذلك إلى جهود البنك المركزي في ايجاد بنية تحتية من المصرفيين الشباب والمتخصصين في المصرفية الإسلامية. إلى التفاصيل:
في غضون العامين الماضيين، تمكنت سنغافورة من تحويل نفسها من متفرجة في ساحة المصرفية الإسلامية إلى ما يحتمل أن يصبح أنشط مركز مالي إسلامي يتمتع بالصدقية في شرق آسيا بعد ماليزيا. ما يدل على ذلك بالتأكيد أن كل وعد يتم تقديمه كان مدعوماً بإجراء وفعل معين. وقد استضفتم هذا العام المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية لآسيا، فكيف يمكن أن يساعد ذلك على تدفق الأعمال في مثل هذا الحدث الذي يجمع كبار اللاعبين الماليين السنغافوريين مع نظرائهم من بلدان منطقة الخليج العربي؟
تحتل المصرفية الإسلامية الآن مكانة بارزة أكثر من ذي قبل، وحققت نمواً سريعاً في السنوات الأخيرة، حيث بلغت نسب النمو بالمعدل السنوي نحو 20 في المئة قبل بداية الأزمة المالية العالمية. وبالنسبة لسنغافورة، نرى أن التمويل القائم على الأحكام الشرعية امتداد لدورنا الحالي كمركز مالي دولي متمكن في الأعمال المصرفية والتأمين والأسواق الرأسمالية وإدارة الصناديق. والفرص في آسيا كبيرة، ويمكن للصناعة المالية الاستفادة من البنية التحتية وثروة الخبرات في سنغافورة لتقديم مزيد من أنشطة سوق الجملة.
من منظور الشرق الأوسط، تقدم سنغافورة نفسها باعتبارها مركزاً مالياً موثوقاً ذا سمعة طيبة وبوابة مريحة ذات كفاءة للدخول إلى بقية البلدان في منطقة آسيا ــ الباسفيك. وحيث إن الشرق الأوسط وآسيا تعدان المنطقتين الاقتصاديتين الأكثر نشاطا في العالم اليوم، فإن كل منطقة منهما تتمتع بسيولة وفيرة وفرص استثمار وإمكانات مثيرة لإدارة الصناديق التقليدية والإسلامية بشكل محترف.
تقوم سنغافورة، باعتبارها مركزاً مالياً راسخاً وموثوقاً يقع على مفترق طرق استراتيجي، بتسهيل الحركات المالية بين هاتين المنطقتين، موفرة بذلك الفرص للمؤسسات المالية في كلتا المنطقتين لتلعب دورها الحيوي المتمثل في الوساطة المالية، ولمساعدة المستثمرين على توسيع خياراتهم الاستثمارية. ولدينا في سنغافورة أكثر من 600 مؤسسة مالية تستفيد من القاعدة الكبيرة للتمويل والموجودات لتلبية الاحتياجات المالية للمنطقة وما وراءها. والمؤسسات المالية في الشرق الأوسط، مثل البنك العربي وبنك الخليج الأول وبنك الكويت الوطني وبنك قطر الوطني، موجودة في سنغافورة من قبل لخدمة شرق آسيا. ولدينا أيضا مجموعة كبيرة من المواهب والخبرات التي تمتلك المعرفة والفهم في شؤون آسيا، فضلا عن وجود بنية تحتية مالية فاعلة لإنشاء قدرات جديدة في مجال المصرفية الإسلامية.
وفقا لمصادرنا، تخطط سنغافورة للاستفادة بشكل أكبر من تطوير الخدمات المالية الإسلامية المتعلقة بما يعرف بسوق الجملة wholesale market، وإدارة الموجودات وفقا للأحكام الشرعية. حبذا لو تزودنا بمزيد من التفاصيل حول ذلك؟
في حين أن المصرفية الإسلامية تنمو بنسبة تزيد على 20 في المئة سنوياً، إلا أنها لا تزال صغيرة مقارنة بالتمويل التقليدي. وكي تحقق الصناعة مزيدا من النمو، نحتاج إلى مزيد من الوسطاء والمنتجات والمستثمرين. لذا فإن حقيقة أن مزيدا من المراكز المالية في المنطقة تلعب دوراً في تطوير هذه الصناعة فذلك أمر إيجابي. وليس هناك أنموذج مناسب للجميع من حيث تطوير المصرفية الإسلامية، وذلك لأن المراكز المالية في آسيا والشرق الأوسط تنطلق من نقاط وظروف مختلفة.
فيما يتعلق بسنغافورة، نهدف إلى الاضطلاع بدور مكمّل والإسهام في تطوير المصرفية الإسلامية. وبالنظر إلى أن عدد السكان لدينا قليل، سنركز خدماتنا المتخصصة على أسواق الجملة كي تستفيد من الكتلة الحرجة الموجودة من اللاعبين والخبرات التقليدية، والعمل بشكل وثيق مع المنظمات التي تمتلك خبرة في الشريعة الإسلامية. وما تستطيع سنغافورة أن تقدمه هو كتلتها الحرجة الموجودة من الخبرة في الخدمات المالية لتنفيذ أعمال المصرفية الإسلامية في مجالات مثل إدارة الموجودات، والخدمات المالية لأسواق الجملة، وعمليات الخزانة. ويعد اقتصاد سنغافورة المفتوح وأسواقها المنفتحة، وبنيتها التحتية الممتازة، وأجهزتها التنظيمية السليمة والشفافة، من نقاط القوة الجذابة بالنسبة للاعبين في مجال المصرفية الإسلامية والتقليدية على حد سواء.
يتحدث كثير من المراقبين عن الطريق الحريري بين شرق آسيا وبلدان منطقة الخليج العربي. كيف يمكن لقوانينكم التنظيمية، باعتباركم مصرفاً مركزياً، اجتذاب تدفق الأموال العربية بسرعة إلى السوق الرأسمالية الإسلامية في سنغافورة؟ وهل قمتم بالفعل ببناء مثل هذه البنية التحتية لرأس المال الإسلامي؟
لقد قررت سلطة النقد في سنغافورة في وقت مبكر استيعاب المصرفية الإسلامية ضمن الإطار الرقابي والتنظيمي القائم. والنهج الذي نتبعه هو التعامل مع المنتجات المالية الإسلامية والتقليدية على نحو مماثل، طالما أنهما يشتركان في خصائص مماثلة من حيث المخاطر والجوهر الاقتصادي. وقد نجح هذا النهج معنا بصورة طيبة، ولكنه يتطلب منا إجراء بعض التعديلات التنظيمية والضريبية لضمان تكافؤ الفرص.
نحن نعمل من كثب مع اللاعبين في هذه الصناعة لضمان ألا تتعرض المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية للظلم من حيث المعاملة الضريبة أو التنظيمية. فعلى سبيل المثال، في استجابة للتغذية الراجعة من الصناعة، قمنا بإدخال تعديلات فنية دقيقة إلى حد ما على نظام القوانين التنظيمية عام 2006، لتسهيل طرح هيكل المرابحة التمويلي من قبل البنوك في سنغافورة. وأعفت سلطة النقد في سنغافورة استثمارات المرابحة طالما كانت هذه الأنشطة تحتوي على جوهر اقتصادي مثل المنتجات التقليدية النظيرة.
فيما يتعلق بأحدث التطورات التنظيمية، أدخلت سلطة النقد في سنغافورة أنظمة مصرفية جديدة للتعاملات المالية الإسلامية، بما في ذلك إيداعات المرابحة بين البنوك، والإجارة والاقتناء، والمشاركة المتناقصة، والمرابحة الفورية عام 2009. وفي أبريل 2010، أصدرت سلطة النقد في سنغافورة تشريعات جديدة لتوضيح أنه يمكن للبنوك في سنغافورة الدخول في معاملات الاستصناع، وقامت بتحديث "المبادئ التوجيهية بشأن تطبيق التشريعات المصرفية على أعمال المصرفية الإسلامية"، مما يغطي النهج العام لسلطة النقد في سنغافورة نحو تنظيم الأنشطة المصرفية الإسلامية، ويقدم التوجيه بشأن إطار القبول للخدمات المالية الإسلامية والمعاملة التنظيمية والرأسمالية للمنتجات الإسلامية. وتوفر هذه التشريعات والتوجيهات معاً قدراً أكبر من الوضوح واليقين للخدمات المالية الإسلامية في سنغافورة.
بالنظر إلى أن طبيعة وهيكل المنتجات المالية الإسلامية تميل إلى اجتذاب مزيد من الضرائب مقارنة بنظيراتها التقليدية، عملنا أيضا على ضمان تكافؤ الفرص من حيث المعاملة الضريبية للتعاملات الإسلامية. فقد ألغينا رسوم الدمغة المزدوجة، والإعفاء من ضريبة السلع والخدمات، والمعاملة الضريبية المماثلة للمستثمرين في الصكوك. وفي فبراير 2008 أدخلنا كذلك النسبة الضريبية الميسرة البالغة 5 في المئة للأنشطة التي ينطبق عليها وصف النشاطات الملتزمة بالأحكام الشرعية.
يتساءل بعض المستثمرين من بلدان الخليج العربي عن فرص الأعمال غير المستغلة في مجال المصرفية الإسلامية، حبذا لو تسلط الضوء على أنجع الفرص لمشاريع الاستثمار المشتركة التي تعتقد أنها غير متطورة بعد والتي ستضيف القيمة للاستثمار.
- لقد شهد القطاع إنشاء عدد من المبادرات الجديدة والمبتكرة في السنوات الأخيرة، ففي عام 2006 أنشأت مجموعة فاينانشيال تايمز وبورصة سنغافورة مؤشر الشريعة 100 في آسيا من "فاينانشيال تايمز" وبورصة سنغافورة، الذي يتكون من أسهم 100 شركة من الشركات المتوافقة مع الشريعة في أسواق آسيا ــ الباسفيك. وفي عام 2008، أدرجت Daiwa Asset Management لإدارة الأصول صندوقها للاستثمار المتداول 100 لمجموعة فاينانشيال تايمز اليابان للشريعة على بورصة سنغافورة، وأطلقت City Development أول برنامج لسنغافورة لشهادات الائتمان للشركات الإسلامية، وبلغ الحجم الإجمالي للصندوق مليار دولار سنغافوري. وجمع بنك التنمية الإسلامي أيضا أموالاً بالدولار السنغافوري عن طريق إصدار الصكوك. وفي عام 2009، أعلنت Keppel T&T و AEP Investment Management عن أول صندوق للمركز العالمي للبيانات، وهو صندوق متوافق مع الشريعة الإسلامية. ومن المفهوم لدينا أنه يتم التخطيط لإنشاء صناديق استثمار عقارية إسلامية ستتضمن التعامل في موجودات في سنغافورة والشرق الأوسط.
نشهد تركيزاً للبنوك الغربية والماليزية "المتبصرة" وشركات التكافل التي تقدم خدمات التمويل الإسلامي، وذلك عبر افتتاح فروع لها في سنغافورة. (أ) هل تنصح البنوك الإسلامية السعودية الرئيسية وشركات التكافل بالتفكير في تقديم مثل هذه الخدمات في القطاع المصرفي السنغافوري؟ (ب) إذا كنت تنصح بذلك، هل هناك تراخيص لذلك؟ (ج) هل يجب أن يكون المشروع الذي من هذا القبيل مشروع استثمار مشترك مع شركاء سنغافوريين؟ (د) إذا كان الجواب نعم، فما نسبة الملكية القصوى لشريك من بلدان الخليج العربي في مثل هذه الأنشطة المصرفية ومشاريع التكافل المشتركة؟ (هـ) ما المعايير المطلوبة لإنشاء بنك إسلامي في سنغافورة؟
- ليس لدينا هيكل تراخيص منفصل للبنوك الإسلامية. فنحن نعمل ضمن إطار تراخيص واحد، مما يعني أننا لا نميز بين البنوك الإسلامية والتقليدية. ونقبل المؤسسات التي تلبي متطلباتنا الحصيفة، مثل أن يكون للشركة سجل معروف في هذا المجال وموارد مالية كافية وإجراءات سليمة لإدارة المخاطر والعمليات التشغيلية. ويتم تقييم كل طلب وفقا لجدارته. وقد أنشأ اثنا عشر لاعباً مالياً من الشرق الأوسط إما مكاتب فروع أو مكاتب تمثيلية في سنغافورة. وينطبق النهج ذاته على القطاعات الأخرى مثل التأمين والأسواق الرأسمالية.
من المفهوم لدينا أن قطاعكم المصرفي يواجه تحديات جديدة، أحدها هو الافتقار إلى الموارد البشرية الشابة الذين لديهم خلفية أكاديمية في المصرفية الإسلامية. وبوصفك مشرفاً ومسؤولاً تنظيمياً عن المصرفية الإسلامية الوليدة في سنغافورة، كيف تتعامل مع هذه المشكلة من حيث إعطاء المنح الدراسية للمصرفيين المستقبليين لضمان حصولهم على تعليم جيد في مجال المصرفية الإسلامية حتى يعودوا لمساعدتكم في عملية تطوير صناعة المصرفية الإسلامية في بلادكم؟
- تواجه صناعة المصرفية الإسلامية العالمية مشكلة نقص الخبرات المؤهلة في مجال التمويل الإسلامي.
وتواصل سلطة النقد في سنغافورة دعم تنمية المواهب والمشاركة في توفير التمويل اللازم للتدريب على العلوم المالية في شركات التدريب المعروفة والمؤسسات التعليمية القادرة على تأهيل الكفاءات. وعلى وجه التحديد، أنشأت جامعة الإدارة في سنغافورة المركز الدولي للقانون الإسلامي والمصرفية الإسلامية من أجل دعم تنمية المواهب وتطوير البحث والتعليم المهني. وستعقد كلية القانون في جامعة الإدارة في سنغافورة حلقات دراسية لتعليم وتدريب المصرفيين والمحامين فقه المعاملات التجارية والتوثيق القانوني وإدارة المخاطر والأسواق الرأسمالية وإدارة الثروات. وهي تعتزم كذلك الشروع في برنامج ماجستير في القانون يحتوي على عديد من التخصصات، بما في ذلك شهادة الدراسات العليا في ماجستير القانون في الفقه الإسلامي والمصرفية الإسلامية. وأقامت علاقات وثيقة مع جامعات في ماليزيا وإندونيسيا وأستراليا وتخطط للعمل مع جامعات أخرى في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والشرق الأوسط.
هل تشجع زيادة تدفق تبادل الخبرات المصرفية بين سنغافورة وبلدان الخليج العربي، خاصة في مجال المصارف التقليدية والإسلامية، إضافة إلى الخبراء المصرفيين العرب؟
- نعتقد أن زيادة تبادل الأفكار والخبرات بين سنغافورة وبلدان الخليج العربي سيفيد كلتا المنطقتين، حيث إننا نتعاون معاً ليكمل كل منا الآخر. وتؤكد استضافتنا قمة مجلس الخدمات المالية الإسلامية وقمة المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية هذا الاعتقاد الراسخ. وحتى نوطد علاقاتنا مع الأجهزة التنظيمية للنشاطات المالية في الخارج في بلدان الخليج العربي، وقعت سلطة النقد في سنغافورة اتفاقيات لمذكرات تفاهم ثنائية مع البنوك المركزية في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة عام 2009. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تعزيز الرقابة على العمليات العابرة للحدود للمؤسسات المالية، وتعزيز المساعدة التقنية. ويأتي هذا في الوقت المناسب تماما مع تزايد وجود المؤسسات المالية من بلدان الخليج العربي في سنغافورة.