هل يمكن عكس مسار التيار الإسلامي؟
في الآونة الأخيرة، اعتقدت وزارة الشؤون الدينية للسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب أنها وجدت الخطبة المثالية لحشد المؤمنين لتعزيز قبضتها على الضفة الغربية. فقد أبلغت الوزارة الأئمة في جميع أنحاء الضفة الغربية أن من واجبهم الديني تخصيص صلاة الجمعة لشن حملة من أجل السجناء الفلسطينيين السياسيين.
إلا أن الخطة جاءت بنتائج عكسية. ففي الخليل، أكبر مدينة في الضفة الغربية، تفوق الإسلاميون في حماس على سلطات السلطة الفلسطينية. وقبل أن يتمكن الخطيب المعين من قبل السلطة الفلسطينية من الوصول إلى منبر مسجد الأنصار، أحد أكبر مساجد البلدة، صعد إليه ماهر البدر، عضو المجلس الفلسطيني من ''حماس'' الذي يحظى بشعبية كبيرة والذي تم الإفراج عنه أخيرا من أحد السجون الإسرائيلية. وبدلا من اتباع النص المزود من قبل السلطة الفلسطينية، بدأ بتوجيه انتقادات حادة لمصر لأنها قامت باسترضاء إسرائيل عن طريق بناء جدران الحصار حول قطاع غزة الذي تديره حماس بعد طرد فتح، منافستها العلمانية برئاسة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. ويقول أحد المسؤولين في وزارة الشؤون الدينية: ''لم نستطع فعل شيء لمنعه، فهو يتمتع بحصانة برلمانية.'' واضطرت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، التي تلقت تدريبها على يد الغرب، إلى الاكتفاء باعتقال نجل البدر.
إن جهود السلطة الفلسطينية للسيطرة على المساجد هي جزء مهم من محاولتها لفرض سلطتها في الضفة الغربية وقمع خصومها الإسلاميين وإقناع الأصدقاء العرب الذين يوفرون المال والحكومات الغربية أنه يمكن الوثوق بها لإدارة الدولة المحتملة. وأرسل وزير الشؤون الدينية للسلطة الفلسطينية، محمود الهباش، 200 إمام جديد، مسلحين بالتصاريح الأمنية، لإدارة المساجد التي يديرها حتى الآن منافسون موالون لحماس. وهو يصدر خطبا أسبوعية مكتوبة ويأمر الرقابة بمراقبة المساجد والتحقق من امتثال الأئمة. ويقول الوزير: ''يجب أن يحترم المسلم السلطان. وليس هناك مكان للسياسة في المساجد''. ويضيف أن جميع مساجد الضفة الغربية البالغ عددها 1.700 مسجد، بما في ذلك نحو 300 مسجد في الخليل المحافظة، هي في يد الحكومة الآن.
وتقول السلطة الفلسطينية إنها تريد استعادة النظام بعد الفوضى التي أحدثتها الانتفاضة الفلسطينية التي انتهت عام 2002. وفي تلك الأيام، كان يمكن لأي شخص تقريبا بناء وإدارة مسجد، إلا أن حماس وحلفاءها الإسلاميين يقولون إن السلطة الفلسطينية تحد من الحرية الدينية والسياسية وتحاول إقامة دولة عربية أمنية تقليدية في الغرب. وفي عام 2006، حين تغلبت حماس على فتح في الانتخابات العامة، أصبح عديد من المساجد مكاتب أيضا لحماس، ومنحت حكومة حماس التي تولت السلطة لفترة وجيزة في ذلك الوقت أتباعها وظائف في إدارة المساجد الحكومية.
وفي إطار حملتها، حلت السلطة الفلسطينية أيضا لجان الزكاة (الخيرية) البالغ عددها 92 والتي كانت تزود ''حماس'' بشبكتها الاجتماعية والمحسوبية. وعينت السلطة الفلسطينية مكانها 12 لجنة تابعة لها، التي أزالت مجالس الإدارة التي تهيمن عليها ''حماس'' التي كانت تقدم خدمات مثل رياض الأطفال، والمدارس، والمخابز، واستئجار مساكن رخيصة للفقراء. وبعد بداية متعثرة حين جفت الأموال من دول الخليج، بدأت السلطة الفلسطينية بحقن المال الذي تتلقاه من المانحين الغرب والعرب لإحياء المؤسسات الخيرية الراكدة التابعة لها. ويقول عضو آخر في البرلمان من حماس، حاتم قفيشه، الذي طرد من منصبه كنائب رئيس رابطة الشبيبة الإسلامية: ''إنهم يخنقون المجتمع المدني بدلا من تشجيعه''.
تكميم الأفواه
وتمد قوات الأمن المزدهرة للسلطة الفلسطينية يد العون. فقد اقتحمت أخيرا بقوة الرصاص مسجدا في الخليل أثناء بحثها عن عضو من حماس مطلوب من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وأطلق أفرادها النار على سيارة المتحدث باسم حزب التحرير، الجماعة الإسلامية الناشئة التي تريد استبدال النظام البرلماني بنظام الخلافة، وأوسعوه ضربا. وحين قاطع المصلون خطيب السلطة الفلسطينية في الحرم الإبراهيمي في الخليل وطلبوا منه انتقاد حصار إسرائيل المستمر على غزة، استدعى مسؤول الشؤون الدينية المحلي التابع للسلطة الفلسطيني القوات لإخراجهم.
ولم يسر كل شيء كما أرادت السلطة الفلسطينية، فقد طرد المصلون في اثنتين من مدن الضفة الغربية الرئيسة، نابلس، ورام الله، الأئمة الذين أدانوا الإسلاميين في خطب الجمعة. وتم إلقاء الأحذية على الأئمة الحكوميين في أماكن أخرى.
ومع ذلك، تمكنت حكومة السلطة الفلسطينية برئاسة سلام فياض، وهو عضو سابق في صندوق النقد الدولي يعود إليه الفضل في إنعاش اقتصاد الضفة الغربية، من احتواء ''حما'' بشكل أكثر شمولية مما توقع كثيرون حين تولى منصبه عام 2007. ويشعر الإسلاميون أنهم مطاردون. وأغلقت ''حماس''، التي اتخذت موقفا دفاعيا في الضفة الغربية، مكاتب وسائل الإعلام وتراجعت تحت المتراس. ويقول وزير مالية سابق للحكومة الإسلامية التي حكمت فترة وجيزة: ''أنهت السلطة الفلسطينية الوجود الجمهوري لحماس''.
وبما أنها غير قادرة على استخدام حافلات المدارس، لم يعد بوسع ''حماس'' جلب الآلاف من المؤيدين في المسيرات، وأوقف حزب التحرير أيضا الاحتجاجات. وتوقفت المظاهرات تقريبا منذ الاحتجاجات التي اندلعت خلال حرب إسرائيل على غزة قبل عام. ويقول أحد قادة حزب التحرير: ''إنهم يسمحون بإقامة مسابقات ملكات الجمال ولكنهم يمنعون تلاوة القرآن الكريم''.
ومن غير الواضح فيما إذا كان تكميم السلطة الفلسطينية لأفواه الإسلاميين أضر بشعبيتهم، ويعترف بعض المستفيدين السابقين من الجمعيات الخيرية التابعة لـ ''حماس'' أنهم غيروا ولاءهم منذ أن توقفت الخدمات الاجتماعية التي كان يقدمها الإسلاميون. وتظهر استطلاعات الرأي أن فتح متقدمة الآن، إلا أن مستطلعي الآراء يعتقدون أن كثيرا من المتعاطفين مع ''حماس'' يترددون في التعريف عن أنفسهم. ويظهر مسح جديد أنه على الرغم من الإشادة بالسلطة الفلسطينية، لأنها حققت الاستقرار عن طريق خفض معدلات الجريمة والتناحر بين العشائر، إلا أن ثلاثة أرباع الشعب لا يزال يتفق مع ''حماس'' على أنه يجب تطبيق القانون الإسلامي. ويقول أحد مستطلعي الآراء في مؤسسة Near East Consulting في الضفة الغربية: ''يتفق عدد متزايد من الفلسطينيين، خاصة النساء والشباب، على وجود صراع ديني وليس وطنيا''. علاوة على ذلك، توارى كثير من المنشقين. ويقول حزب التحرير، الذي يدين الانتخابات ويصفها بأنها إهانة للذات الإلهية، أنه أخذ الدعم من حماس، التي فقد كثير من مؤيديها الثقة بالديمقراطية بعد أن تم نسف فوزها في الانتخابات عام 2006. وعلى الرغم من أن حزب التحرير يقول إنه ليس عنيفا، إلا أن البعض يشك في أنه - وعدد كبير من الجماعات الإسلامية - يوفر غطاء لأولئك الذين يريدون استئناف القتال المسلح ضد كل من فتح وإسرائيل. وقد تعيد ''حماس'' أيضا النظر في استراتيجيتها المتمثلة بالتواري عن الأنظار. ويقول عضو بارز في ''حماس'': ''لن نشن حربا أهلية، ولكننا قد نعيد بناء خلايانا العسكرية لاستئناف الهجمات ضد إسرائيل''