الإسراع نحو المتاعب
من الصعب المبالغة بأهمية شركة تويوتا لوضع الأعمال في اليابان. فطالما اعتبرت الشركة ذروة الإبداع الياباني وجودة التصنيع والقوة الصناعية - خاصة منذ أن تفوقت على ''جنرال موتورز'' عام 2008 لتصبح أكبر شركة تصنيع سيارات في العالم. وقد كانت تقنيات التصنيع ''التي تقلل الفاقد وبالتالي تقصر دورة العمل'' وثقافة التحسين المستمر في اليابان موضع حسد عالم الأعمال. وكانت الشركات ترسل وفودها للتجول في مصانع ''تويوتا'' على أمل تعلم بعض تقنياتها. وداخل اليابان، كانت تعد الشركة الرائدة في الدولة، في الوقت نفسه الذي كان يبدو فيه أن سحر شركات عملاقة أخرى مثل ''سوني'' و''هيتاشي'' آخذ في التلاشي. إلا أن كل هذا تغير في غضون أسابيع قليلة. فقد أدت مشكلات ''التسارع غير المقصود'' لسياراتها، التي لم تأخذها الشركة على محمل الجد إلا في وقت متأخر، إلى أزمة متصاعدة وسحب ثمانية ملايين سيارة. وتفاقمت مشكلات تويوتا في التاسع من شباط (فبراير) حين قالت إنها ستسحب أيضا 440 ألف سيارة هجينة، بما في ذلك سيارة Prius الشهيرة، وذلك لإصلاح مشكلة في مكابحها. وتمزقت سمعة الشركة بالجودة، التي بنت عليها أعمالها. وانخفضت رسملتها السوقية بنسبة تعادل تقريبا كامل قيمة شركة فورد. إلا أن سوء تفسيرها وسوء تعاملها مع الأزمة هو ما أدى إلى الضرر الأكبر. وقد رفضت الشركة في البداية الاعتراف بالمشكلة؛ ثم قدمت تفسيرا في العام الماضي (التركيب الخاطئ لوسادات الأرضية) ولكنه قوبل بتشكك؛ ولم تغير رأسها وتوافق على استبدال دواسات البنزين في السيارات المتضررة إلا في الشهر الماضي. ولا يزال البعض يشكك في أنها عرفت أساس المشكلة. فقد كان رؤساء تويوتا يبدون غير حاسمين، كما أنهم اختبأوا أثناء اندلاع القصة في الصحف والتلفزيون والإنترنت. ولم يظهر، Akio Toyoda، سليل العائلة المؤسسة للشركة البالغ من العمر 53 عاما للعلن للانحناء وتقديم اعتذار رسمي إلا في الخامس من شباط (فبراير)، وحتى مع ذلك قال المنتقدون أنه لم ينحن بما فيه الكفاية. إن مشكلات ''تويوتا'' خاصة بها وحدها، ولكنها تسلط الضوء على أوجه قصور أوسع نطاقا في حوكمة وإدارة الشركات اليابانية التي تجعل الشركات الكبيرة على وجه الخصوص عرضة لسوء التعامل مع الأزمات بهذه الطريقة. ولدى هذه الشركات عادة نظام صارم من الأقدمية والتسلسل الهرمي يتردد فيه الناس في نقل الأخبار السيئة أعلى السلسلة، وبالتالي يخفون المعلومات عن أولئك الذين يجب أن يعرفوها في محاولة مضللة لحمايتهم من فقدان ماء الوجه. وفي الكثير من الشركات، بما في ذلك ''تويوتا''، يكون من المستحيل تحدي الرئيس بسبب الروابط العائلية. وتعد أي محاولة لاختزال التسلسل الهرمي خيانة للولاء وانتهاك لثقافة الشركات التقليدية التوافقية. ويصبح اتخاذ القرارات بصورة جماعية متأصلا بسبب عدم وجود الكثير من الحراك بين الشركات: يعتقد أن التوظيف من الخارج يعوق الوئام الداخلي للشركة، ويتلطخ اسم الرئيس التنفيذي المستعد للتنقل بوصفه ''متنقل خائن بين الوظائف''. ويعرقل هذا بصورة كبيرة قدرة الشركات على اتخاذ إجراءات جريئة وحاسمة. وتقتل أفضلية الوئام وجهات النظر البديلة. إن عدم وجود منظور خارجي واضح جدا بصورة خاصة في حالة مجلس إدارة ''تويوتا''. فهو مؤلف من 29 رجلا يابانيا - جميعهم من المطلعين في ''تويوتا''، وليس هناك رجل واحد منهم مستقل. (تمكنت شركة تصنيع سيارات أمريكية من إقناع أول عضو مجلس إدارة غير ياباني في ''تويوتا''، والوحيد فيه، وهو مدير أمريكي تم تعيينه عام 2007، بالانتقال إليها.) ويفتقر معظم أعضاء مجالس الإدارة في الشركات اليابانية إلى التنوع، باستثناء بعض الشركات البارزة، مثل ''سوني'' وeAccess. وفي الواقع، نسبة النساء في مجالس الإدارة في الكويت أكبر منها في اليابان.
خطأ في نموذج ''تويوتا''
ظل الرؤساء في اليابان يرفضون لسنوات عديدة فكرة تعيين مديرين من الخارج على أساس أن ''تويوتا'' تبدو قادرة على تدبير أمورها بصورة جيدة دونهم. إلا أن هذه الحجة لم تعد صالحة. وبطبيعة الحال، تعاني حكومة الشركات الغربية مشكلات خاصة بها، والتي أبرزتها فضائح شركتي إنرون و WorldCom وفشل مجالس الإدارة في رصد أنشطة المؤسسات المالية المخاطرة في الفترة السابقة للأزمة المالية. إلا أن الأشخاص من الخارج يجلبون، على الأقل، أفكارا جديدة؛ ولأنهم لم ينشأوا على ثقافة الشركة، فهم أكثر احتمالا للتشكيك في طريقة سير الأمور. فلو كان مجلس إدارة ''تويوتا'' يضم مثلا رئيسة ألمانية وعضوا سابقا في مجلس الشيوخ الأمريكي ومحاميا بارزا من هونج كونج، ربما كانت استجابتها للأزمة مختلفة. وفي الوقت الحاضر، تستجيب كثير من الشركات اليابانية الكبرى لمشكلات ''تويوتا'' عن طريق إعادة النظر في مسائل مثل استعانتها بمصادر خارجية لتخفيض التكاليف، واعتمادها على المزودين من الخارج (تم تزويد معظم دواسات البنزين من قبل شركة أمريكية مستقلة لصنع قطع غيار السيارات)، وعلاقاتها مع الشركات غير اليابانية. ولكن قد تحتاج أيضا إلى الاستفادة من هذا الحادث لإعادة النظر في أساليب العمل الداخلية الخاصة بها